قبل ثلاث سنوات تماماً، كان العرب يتنادون للتلاقي من أجل مواجهة »الوحش« الذي استولده التطرف الإسرائيلي: بنيامين نتنياهو،
ولقد تلاقوا. وكان الظل الأميركي على قمة القاهرة واضحا، لا يرى أحد ضرورة لطمسه أو إخفائه، فالمصيبة تجمع..
كانت إدارة الرئيس الأميركي بيل كلينتون، قبل العرب، مصدومة بنتائج الانتخابات الإسرائيلية التي حملت إلى قمة السلطة في تل أبيب التيار الذي قتل رجلها المعتمد آنذاك إسحق رابين.
كذلك فإن تلك الإدارة كانت مفجوعة ومحرجة بالمسلك الذي »تورط« فيه رجلها البديل الاضطراري شيمون بيريز، فتحول من »تاجر شاطر« ينادي بالشراكة العربية الإسرائيلية (الشرق أوسطية) الى »جنرال« فاشل (عناقيد الغضب ومجزرة قانا)، فإلى سياسي مهزوم.
اليوم، ومع انتخاب إيهود باراك، تتصرف الإدارة الأميركية وكأنها قد استعادت زمام المبادرة، ويمكنها أن تستأنف ما كانت باشرته في سنوات ما بعد مؤتمر مدريد، وما قبل اغتيال رابين وسقوط بيريز.. مع الأخذ بعين الاعتبار ما طرأ على المواقف المختلفة، خلال هذه الفترة، من تبدل أو تحول، ولا سيما على المستوى العربي.
ما أبعد اليوم عن البارحة، عربياً… لقد اتسعت الشقة في ما بين دولهم، ولأسباب متعددة، فباتت »القمة« خارج البحث.. أقله حتى إشعار آخر، خصوصا وأن لا مصلحة أميركياً في »لمّ الشمل العربي«، كما أن »الحد الأدنى« لم يعد معيارا محددا، فهناك حدود دنيا متعددة، في زمن »المناقصات« المفتوحة.
ربما لهذا طرح الرئيس المصري حسني مبارك فكرة »قمة دول الطوق«، مفترضا أنها البديل الممكن، فهو لقاء بالحد الأدنى من الأطراف المعنية (عربيا) لمحاولة التفاهم على »حد أدنى« مقبول أميركياً، وغير محرج للرئيس الإسرائيلي الجديد الداخل من باب »الاعتدال« فقط إذا ما قيس بسلفه الأحمق المكشوف تطرفه والمستفز إلى حد استعداء الأصدقاء بمن فيهم »الحليف الاستراتيجي الكبير« الولايات المتحدة الأميركية.
لكن التدقيق في مواقف هذه الأطراف الخمسة يكشف عمق التباين في ما بين أوضاعها وطروحاتها: فمصر والأردن خارج الصراع، بعد الاتفاقات المتعددة التي وقعاها، على التوالي، مع إسرائيل.
وسلطة عرفات وقعت سلسلة من الاتفاقات التنازلية التي لم تنفذ، بما يخرج الموضوع الفلسطيني من دائرة الصراع، وإن أبقاه مفتوحا لمساومات جديدة مضنية ومفتوحة، بينما الأرض »تذوب« بزيادة عدد المستوطنات والطرقات الالتفافية، و»القدس العربية« تكاد تندثر متحولة إلى حي فقير وبائس من أحياء »عاصمة إسرائيل الموحدة والأبدية« حسب الشعار الذي يلتقي عليه الإسرائيليون جميعا، بحمائمهم والصقور!
أما سوريا ولبنان فما زالا في قلب دائرة الصراع، لوحدهما تقريباً، لا تعرض عليهما إسرائيل إلا ما تعرف سلفاً أنهما سيرفضانه، ولا يلتزم »الراعي الأميركي« بالضمانات التي قدمها إليهما لكي يوافقا على مبدأ التفاوض في إطار مؤتمر مدريد وعلى أساس القرارات الدولية المعززة والمعدلة بتوازنات القوى والمصالح في لحظة ما بعد حرب الخليج الثانية.
وواضح أن »القمة الخماسية«، إن هي انعقدت، وفي هذه اللحظة بالذات سيكون همّها الأول تدعيم موقف السلطة الفلسطينية لتستعيد موقعها كطرف مفاوض، وبين شروط ذلك أن تظهر سوريا ولبنان قدراً من »الاعتدال« وتحت عنوان ملطف هو »فتح الباب أمام باراك«، مما يساعد إدارة كلينتون على أن »تحثه« على إنجاح المفاوضات العتيدة!
لكأنها، وفي غياب الأطراف العربية الأخرى، دعوة للسير بخطى الأضعف، بينما باراك يتقدم بخطى الأقوى،
أو هي إعادة صياغة »للحد الأدنى« بما يناسب عرفات الذي تجاوز كل »الحدود الدنيا« سابقاً، والذي يمكن أن ينزل تحت الحد الأدنى الجديد (المقترح أو المحتمل) فارضاً على سوريا ولبنان أن يدفعا ثمن التنازل الجديد.
ومع أن الوضع العربي، برمته، ضعيف وشبه متهالك، يظل توسيع قاعدة اللقاء عاملاً مساعداً على تحسين الشروط ومنع الاستفراد ولجم الاندفاع إلى التنازل المنفرد على حساب العرب مجتمعين.
وإذا كان لا أحد من العرب يرغب في قتال إسرائيل، فلا أقل من أن يطلبوا من »الصديق الأميركي« الالتزام بما تعهّد لهم به، منفردين ومجتمعين قبل اغتيال رابين وسقوط بيريز وبعد عاصفة نتنياهو التي حملت باراك إلى الحكم، معززا ببركات واشنطن ورعايتها.
وإذا كان نجاح باراك »نصراً« أميركياً فلماذا يرى العرب، أو بعضهم، أنهم »شركاء« فيه، وأنهم سينالون الجوائز عليه؟!
ولعله من حق سوريا ولبنان أن يتخوّفا من أن يكونا قد باتا لوحدهما داخل »الطوق«، بدل أن تكون إسرائيل هي »المحاصرَة« به والمحصورة فيه!