طلال سلمان

على طريق <اللبناني> بديلا من لبنان

قُضِيَ الأمر: لم يعد <لبنان> موضوعاً يشغل <العرب> ويدفعهم إلى الاستفسار عن أموره بلهفة الأخ الشقيق، أو حتى باهتمام رجل الأعمال الباحث عن فرص استثمار مجزٍ.صار <اللبناني> الفرد هو الموضوع…تمّ الفصل الكامل بين <اللبناني>، الكفؤ، المؤهل، الشاطر، الناجح، خصوصاً لدى الذين يبحثون عن الكفاءات والقدرات المتميزة فيشترونها كي تعمل لحسابهم، وبين وطنه الصغير والجميل الذي <كان> الملاذ لطالب الراحة والمتعة، وموضع إعجاب <إخوانه> بسبب من الحيوية الفائقة لشعبه الذي يبيع الهواء ونور الشمس ومياه البحر وأشجار الغابات وفرص الاستثمار المبتدعة.<اللبناني> حاضر بأكثر مما يطلب، أما لبنان فغائب، أو مغيّب يرغب محبوه في نسيانه أو القفز من فوق مأساته التي تذكّر أهله <العرب> بمسؤولياتهم عنه بينما هم هاربون من مسؤولياتهم تجاه أوطانهم، تاركين شؤونها لحكّامهم مع معرفتهم بقصورهم وفسادهم وتخلفهم… يكفيهم أن مصالحهم كأفراد مؤمّنة، حتى لو كانت إرادتهم (السياسية) وأراضيهم محتلة: فمن هو المجنون الذي يفكّر باعتراض الإرادة الأميركية التي لا تقهر بشهادة العراق الممزّق الأوصال والمتروك للمذبحة اليومية المفتوحة في ظل الاحتلال الأميركي الذي تتزايد قدرته على الفتك بقدر ما تتبلور إرادة المقاومة عند هذا الشعب العظيم المقهور به ومن قبله بجيلين أو ثلاثة؟عند الحديث عن <لبنان> يتم القفز من فوق مأساته كوطن، ومشكلاته السياسية المعقدة التي صارت أقرب إلى الكاريكاتور حيث يتداخل ما هو محزن مع ما هو طريف وفريد في بابه، لينتهي الأمر بأحكام قاطعة من نوع: والله إنكم لجبابرة حتى تتحمّلوا هذه الأوضاع الشاذة!.. أو: يا أخي، لا ترموا بالمسؤولية عن بلادكم على الآخرين. هؤلاء زعماؤكم، وأنتم تمشون خلفهم كالقطعان، مع وعيكم بأنهم يأخذونكم إلى الكارثة!! أو: عجيب أمركم، تهربون من واجبكم تجاه بلادكم بذريعة أن <الغرباء> يتحكّمون بمصيرها، بينما كل منكم معني بمصلحته الشخصية، يلحق بها إلى أقصى الأرض وينسى وطنه، فإذا ما سُئل حمَّل المسؤولية لكل <الخارج> وكاد يبرّئ <زعماء الداخل>، بل ويجهر بتأييدهم وفيهم القتلة وزعماء العصابات وتجار الطائفية!و<العرب>، في هذه اللحظة، عربان: عرب الثروة، وقد أخذهم الذهب بعيداً عن المشاعر الأخوية وصلة الرحم والشراكة في المصير إلخ…وهناك عرب الفقر والعوز الذين <يكافحون> من أجل الرغيف، والذين يئسوا من <النضال> وسلّموا مكرهين بالأمر الواقع، أي بأنظمتهم المرتهنة إرادتها للأجنبي، والتي تزيد قدرات شرطة مكافحة الشغب فيها (أو الأمن المركزي) عن قدرات جيوشها، باعتبار أن حماية البلاد ـ بنظامها أولاً ـ من مسؤولية <الأجنبي> الذي يتداخل فيه الأميركي والإسرائيلي حتى يصبحا واحداً… ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.فأما <عرب الثروة> فإنهم يبخلون على شعب فلسطين بدريهمات، مما استفز حتى اللجنة الرباعية (الدولية) فتوجهت إليهم باللوم والتأنيب ودعتهم إلى الوفاء بتعهداتهم (المالية) للسلطة الفلسطينية، التي تكاد تسقط سهواً…. ومن يبخل على فلسطين، فلا يساهم بدفع الجوع عن شعبها ببعض فوائد الفوائض من عائداته النفطية، فلن يكون أكثر كرماً على لبنان (كدولة) أو <كشعب> وإن ظهر سخاؤه جلياً على تنظيمات ميليشياوية طالما اشتهرت بسجلها الدموي الحافل بالقتل على الهوية والعمل كمرتزقة لدى الإسرائيليين؟!<اللبناني> هو الحاضر، وحضوره يتعاظم في ظل غياب <لبنان>.. لكن هذا الحضور الفردي الباهر لا يعوّض غياب الدولة والحكم المسؤول ولا خاصة <الوحدة الوطنية> المفتقدة.بل لقد صار حضور <اللبناني> بديلاً من <لبنان>.كما أنه صار <المفضّل> من بين إخوانه <العرب>، فهو الأمهر، والأقدر، والأخبر، خصوصاً أن شبابه الجديد معزّز بالكفاءة العلمية والخبرة العملية، وهو بحاجة لأن <يبيع> كفاءته من أجل أن يصمد أهله لعاديات الزمان وأمزجة أبطال الحرب الأهلية في وطنه الصغير….. وطالما أن مصير لبنان معلّق على الانتخابات الرئاسية الأميركية وعلى احتمالات الحرب الأميركية على إيران لحماية الاحتلال في العراق وحماية <دول الجوار> من الانعكاسات المدمرة لهذا الاحتلال على أوضاعها الداخلية…. ومعلق أيضاً على نجاح الإدارة الأميركية في حماية حكومة أولمرت الإسرائيلية، التي تدور في داخلها <حروب> شرسة على تقاسم النفوذ والتبرؤ من المسؤولية عن فشل حرب تموز في تحقيق أهدافها، برغم كل التسهيلات <الأممية> و<العربية> التي قدمت لها.طالما استمرت هذه الأوضاع قائمة فلسوف تتواصل رحلات عمرو موسى إلى بيروت، حيث يعرف تماماً أن الحل ليس فيها، ولكن واجبه يفرض عليه القيام بها والتشجيع على الحوار… ولو من أجل الحوار!ولسوف يستمر الوطن الصغير بلا رئيس، تتلاشى فيه <الدولة> تدريجياً، بينما الرئيس الأميركي جورج بوش يواصل اتصالاته الهاتفية لإقناع اللبنانيين بأنهم موضع رعايته الشخصية حتى آخر مدماك في دولتهم الصغيرة.وليس خيراً لهذا الوطن أن يكون مواطنه أهم من دولته، وها إن مواطنيه اليوم رعايا لأكثر من عشرين دولة منتشرة في أربع رياح الأرض!

Exit mobile version