طلال سلمان

على الطريق موقف من “الشارونيين” هنا يقرر مصير شارون هناك

… وبين “خلدة” اللبنانية و”الخالصة” التي صارت – بالقهر – كريات شمونة”، وعلى هامش “حرب المفاوضات”، تدور رحى مجموعة من “معارك المواقع” السياسية في لبنان كما في داخل الكيان الصهيوني، بين القوى السياسية المختلفة التي اتخذت من الاحتلال والموقف منه أداة جديدة من أدوات الصراع في لعبة التوازنات والاستقطابات الداخلية.
بتعبير أوضح: إن بيغن وشارون وشامير وغيرهم من أقطاب حكومة العدو الإسرائيلي يحاولون توظيف ما تحقق لهم في لبنان ليس فقط لتقوية استمرارهم في السلطة وضمان الأكثرية النيابية، بل إن كل واحد منهم يريد أن يفيد مما تحقق، وإلى أقصى حد ممكن، لتدعيم موقعه الشخصي داخل الائتلاف الحكومي ذاته ثم داخل اللعبة السياسية الإسرائيلية العامة ببعدها المؤثر… أي بعدها الأميركي.
ولأن شارون هو “الأضعف” في التركيبة الحكومية، برغم انتصاره المكلف، بل ربما بسبب هذا الانتصار الكبير في نتائجه المباشرة والقليل الأهمية على الصعيد العسكري الأكاديمي (نظراً إلى طبيعة القوى المواجهة إن من حيث العديد أو العتاد أو الكفاءة القتالية بموازاة جيش نظامي عصري كجيش الاحتلال الإسرائيلي).
… وشارون هو “الأضعف” لأنه خرج من الحرب أقوى مما يحتمله التوازن الدقيق داخل الحكومة كما داخل الكيان الصهيوني.
ولأن شارون هو “بطل” الفظائع المشينة التي ارتكبت، خارج إطار الحرب ذاتها، بل وخارج أي عرف وأي مفهوم لأي حرب، ضد المدنيين اللبنانيين والفلسطينيين، ضد المدن والقرى والمخيمات، ضد النساء والشيوخ والأطفال، وبالإجمال ضد كل ما هو إنساني، وفي هذا المجال لا تشكل المذابح المنظمة في مخيمي صبرا وشاتيلا إلا عنواناً صارخاً لتلك الفظائع التي تسقط سمعة أي جيش وهيبته وروحه القتالية إذ تضعه في خانة العصابات المسلحة والسفاحين وهواة القتل والتعذيب تماماً كما الفاشي والنازي ومن شابههما ، وتستقط معها الحكومات وجدارة البلد المعني بأن يسمى “دولة” بالغة قوتها ما بلغت.
ولأن شارون هو الطامح الأكبر لوراثة دست الحكم من داخل التحالف الحكومي القائم، ومن على يمين “آخر الأبطال التاريخيين” في الكيان الصهيوني، مناحم بيغن، وببرنامج سياسي يستوعب كل ما حققته إسرائيل من خلال معاهدة الصلح المنفرد واتفاقات كامب ديفيد مع مصر السادات، وكذلك من خلال الانهيار شبه الشامل الذي حدث نتيجة لها على الصعيد العربي.
لكل ذلك فإن أرييل شارون هو المتعجل – بالحاجة كما بالطموح – لقطف ثمار غزو لبنان، قبل أن يفعل الزمن فعله في طي صفحة النتائج الفورية وفتح صفحة الأكلاف الفعلية (السياسية والاقتصادية) التي تكبدتها إسرائيل في هذه الحرب.
وثمة كثيرون من قادة الكيان الصهيوني، ومن حماته وأنصاره وأصدقائه في العالم، وفي أوساط الجاليات اليهودية ذاتها، يرون إن ما دفعته إسرائيل من سمعتها ومن رصيدها في العالم الغربي، إضافة إلى ما دفعته من اقتصادها ومن أرواح القادمين إليها بوصفها جنة الخلد ودار السلام، لا يتوازى بأي حال مع النتائج المحدودة الأهمية – على المستوى الاستراتيجي – التي تحققت لها، خصوصاً وإن هذه النتائج تجير يوماً بعد يوم لحساب مشروع الهيمنة الأميركية على المنطقة أكثر مما ترتد بالفائدة على مشروع إسرائيل الذاتي.
في ضوء هذه الوقائع جميعاً يمكن التعاطي مع “حركات” شارون وتصريحاته وأقواله، ويمكن بالتالي فهم طبيعتها المتسرعة والهوجاء.
وبين تلك “الحركات” زيارته شبه العلنية قبل يومين لبيروت بكل ما تضمنه برنامجها الحافل (اقتحام بيت المرحوم بشير الجميل بحجة تعزية أرملته السيدة صولانج، واقتحام مقبرته في بكفيا بحجة وضع إكليل من الزهر عليه، ثم اللقاءات مع بعض قيادات الميليشيات والمتعاونين مع جيش الاحتلال، في المنطقة الشرقية، والتصريحات المتعددة التي بدأها هنا وأكملها في تل أبيب موجهاً عبرها رسائل عناوينها الظاهرة بعبدا ودمشق وموسكو أما عنوانها الحقيقي فالبيت الأبيض في واشنطن ولا أحد غيره).
ماذا تخفي، بل ماذا تكشف هذه “الحركات” الشارونية المتوالية بوتيرة متسارعة وعالية الصوت؟!
إنها تكشف حراجة موقف شارون الداخلي، في إسرائيل واللعبة السياسية المحلية فيها، كما تكشف طبيعة علاقاته المأزومة مع الإدارة الأميركية وبخاصة مع رئيسها رونالد ريغان ووزير خارجيته شولتس ووزير دفاعه كاسبار واينبرغر.
إن شارون المفتقر إلى عناصر القوة التي تمكنه من الاحتفاظ بموقعه داخل الحكومة الإسرائيلية، والمهدد بأن يدفع كرسيه ثمناً لما تكلفته إسرائيل (سياسياً واقتصادياً) لتحقيق نصره العسكري، ولاسيما على صعيد علاقاتها مع حليفها الأكبر، هو الذي جاء إلى بيروت الشرقية، وقال فيها ما قاله تحت ضغط هذا التهديد وبتأثيره.
إن شارون “الضعيف” هو الذي جاء ليبتز الحكم في لبنان قدراً من التنازلات التي يمكنه توظيفها في إعادة الاعتبار إلى نصره العسكري بتظهير نتائجه السياسية، وبالتالي الاستراتيجية.
إن شارون يريد أن يستقوي على خصومه في الداخل، وعلى المعترضين عليه في الخارج، بما يستطيع انتزاعه من لحمنا وأرضنا وكرامتنا ووحدة بلادنا واستقلالها.
ولقد تقصد شارون – وبلؤم شديد – زيارة القبر والأرمة لكي يوجه رسالة واضحة الدلالة لمن يعنيهم الأمر.
وفي مواجهة هذا التهديد الوقع والعلني لا ينفع غير التمسك بالموقف الطبيعي والسليم: الإصرار على إجلاء المحتل من دون التسليم بشروطه.
فشارون المهزوم سياسياً في لبنان هو شارون المهزوم سياسياً في إسرائيل، والعكس صحيح.
ومن أسف إن “الشارونيين” في لبنان يقاتلون لشارون معركته الداخلية ويحاولون حماية موقعه الداخلي بالتضحية ببعض وطنهم وأسباب حياته واستمراره.
لهذا فلا بد من محاصرة “الشارونيين” والحد من تأثيرهم على مجمل الوضع في لبنان كمدخل إلى معركة منتصرة ضد شارون داخل حكومته، وبالتالي كمدخل لإنقاذ الحد الأقصى من لبنان: الدولة والأرض والشعب وحلم الوطن العظيم.

Exit mobile version