طلال سلمان

على الطريق موسكو المصرية

ليس من المتصور أن يكون الرئيس السادات وأندريه غروميكو قد استطاعا في مدى أربع ساعات تصفية الاشكالات وأسباب سوء التفاهم والخلافات التي تراكمت على طريق العلاقات المصرية – السوفياتية على امتداد أربع سنوات طوال، شهدت إحداها الجولة العسكرية الرابعة في الصراع العربي – الإسرائيلي.
لكن المتصور أن يكون الرجلان قد نجحا في تحديد نقاط الاحتلاف وتحجيمها، وفي إعادة اكتشاف نقاط التلاقي والتأكيد عليها، فيجيء بريجنيف إلى القاهرة ليكرس “فتح صفحة جديدة على أساس واقعي”، وليتوج بزيارته اتفاقاً على الممكن والمقبول من الطرفين.
والانطباع الفوري إن ما تحقق في لقاء القناطر هو نصر تكتيكي للرئيس السادات، فلقد جاء السوفيات إليه في القاهرة، وهذا اعتذار ضمني عما كان منهم يوم أن أوفد إليهم رسله (فهمي والجمسي) في موسكو. ثم إنهم تعهدوا بأن يستمروا في مساعدة مصر، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، على الرغم من المواقف المصرية المعلنة تجاه الولايات المتحدة ودبلوماسية كيسنجر ومؤتمر جنيف الخرافي.
ولكن، من قال إن السوفيات يريدون إضعاف الرئيس السادات، أو أن لهم مصلحة في إضعافه (حتى لا نقول في إسقاط نظامه)؟ إن العكس بالضبط هو الصحيح. فمن مصلحة موسكو، بغض النظر عن رغباتها وعواطفها، أن تكون مصر “مفاوضاً قوياً” للأميركان، وأن تتشدد في شروطها لقبول تسوية سياسية لازمة الاحتلال الإسرائيلي للأرض العربية.
المشكلة كانت تتصل وتتعلق باختيارات القاهرة وليس بمطالب السوفيات،ولقد بدأ في لحظات وكأن موسكو مصرية (أو عربية) أكثر مما يجب، ولعل هذا “التمصر” كان بين جملة من الوقائع استفتزت الرئيس السادات وأحرجته.
والآن… صفحة جديدة على أساس واقعي؟
إن موسكو التي تناقش الرئيس السادات هي موسكو “المتشددة” التي ألغت أكبر اتفاق تجاري في التاريخ لأنها رأت في شروطه ما يمس ليس فقط هيبتها الدولية وفكرها السياسي واستراتيجيتها، وإنما أيضاً سيادتها الوطنية.
ولقد يبدو في الأمر مفارقة، لكن موسكو المتشددة هذه جاءت إلى القاهرة باستعداد عظيم للتفاهم كخطوة أخرى على طريق التشدد في وجه الأميركان. وليس بلا دلالة أن يكون هذا قم تم قبل أسبوع فقط من وصول الدكتور كيسنجر إلى المنطقة.
ولا بد من انتظار النتائج العملية لزيارة “العزيز هنري” قبل الحكم على مدى نجاح هذه الخطوة السوفياتية المفاجئة والجريئة، وكذلك على مدى قبول الرئيس السادات للطبعة الأخيرة من “موسكو المصرية”، بعدما ثبت إن واشنطن تريد قاهرة أميركية وليس إلا قاهرة أميركية، ومئة بالمئة.

Exit mobile version