طلال سلمان

على الطريق ملوك الرعايا المغقلين!

لم يعد الموضوع “التفريط” أو “الانحراف” أو “التفرد” في الانتقال إلى معسكر “العدو”.
صار الموضوع : الخداع، أو على وجه الدقة “استغفال” الأمة، الشعب، المواطن.
كل “ملوكنا” كانوا هناك، لدى الإسرائيليين ، بينما مكبرات الصوت “تصرعنا” بخطبهم النارية عن “الجهاد” وعن “الاستعداد للتضحية بالغالي والنفيس” من أجل “تحرير فلسطين” وحماية “الحقوق القومية” وصيانة “القضية المقدسة”.
كلهم كانوا متواطئين علينا: على عواطفنا كما على عقولنا، على أمنياتنا كما على مصالحنا.
كلهم كانوا شركاء في اللعبة الجهنمية للضحك منا والهزء بنا. ومؤكد أنهم كانوا يتسلون بالتندر على “سذاجتنا” وسرعة تصديقنا للنطق الملكي السامي!
فبعد الملك حسين ها هو السلطان قابوس بن سعيد يكشف أن اللقاءات بينه (ومعه المتعاونون والمساعدون والرسل) وبين المسؤولين الإسرائيليين عميقة الجذور وقديمة إذ تعود إلى سبعة عشر عاماً أو يزيد!
ذلك هناك منذ أكثر من عقدين، وهذا لم يتأخر كثيراً عن اللحاق به!
ومن “هناك” كانوا يمارسون السخرية منا وامتهان كرامتنا الوطنية (والقومية) وكراماتنا الشخصية كمواطنين، بل كرعية ليس عليها إلا السمع والطاعة والدعاء للسلطان بالنظر المبين وتمكينه من هزيمة مناهضيه والخارجين عليه!
من هناك كانوا لنا ألسنتهم الملكية، ويتهامسون مع أصدقائهم الإسرائيليين ثم يغرقون في الضحك: ألم نقل لك أنهم أطفال، طيبون إلى حد السذاجة، تغضبهم كلمة وتفرحهم لفتة بسيطة، ويمكن “سوقهم” كالقطيع بغير عناء إلى حيث نزريد لهم أن يتجوا؟!
لقد فضحونا وكشفونا وجعلونا أضحوكة و”مسخرة”.
لم يتكفوا بأننا قد سلمان أمرنا إلى الله وسلمناهم رقابنا مرغمين، بأمل أن نحفظ الديار، وحتى “لا نعطي العدو فرصة لاستغلال اعتراضنا عليهم فيأخذهم إليه ويتخذهم عوناً علينا”.
لم يقنعوا بأننا وقد يئسنا من التمتع بنعمة الانتخاب وحقنا في اختيار حكامنا، وهزمنا في المعركة الداخلية من أجل حقوقنا كبشر، قد ساومنا أنفسنا لنقبل بالهم الأصغر خوفاً من الهم الأكبر، وقلنا في سرنا: “إنهم في نهاية المطاف منا، وقمح بلادي ولا زؤان الصليبي، وظلمهم أرحم من حكم الأجنبي والدخيل..”.
وقلنا: “إنهم من سلالات كريمة قد يحرصون على عدم تلطيخ تاريخها بالعار… فلنعطهم بإرادتنا ما يطمئنهم فيعصموننا من العدو ويقاتلونه معنا بدل أن يأخذهم هم العرش وتأمين استمراريته إلى العدو فيقاتلوننا معه وبسيفه..”.
وقلنا: المهم أن يحموا الثغور والداخل. أن يوقفوا زحف العدو إلينا في بيوتنا. لنحفظ الوطن أولاً، ومن ثم يكون حديث حقوقنا كمواطنين”!!
والآن وقد تهاووا ملكاً إثر ملك، يؤلمنا أن نكتشف حجم الخديعة وعمقها،
هل نحن فعلاً قطعان من المغفلين والأغرار والسذج؟!
إن استغفالهم لنا يُسقط آخر ادعاءاتنا. إنه يكشفنا لأنفسنا قبل عدونا. ولعلنا الآن نفهم أكثر لماذا كان العدو يستهين “بأعداءنا” الهائلة، وبقدراتنا “الخرافية”، التي كانوا هم “عنوانها” المضيء!!
من حقنا الآن أن نتساءل : هل نليق، نحن الرعية الغبية والقاصرة، بهم كملوك وسلاطين على هذا القدر من العبقرية والدهاء والقدرة على استغفال الملايين وعشرات الملايين من هؤلاء العرب الذين يمكن “أن تخدعهم كلهم وكل الوقت” خلافاً لكل القواعد المألوفة في فنون المكر والخداع والاستغفال.
ومن حقهم الآن أن نتقدم إليهم بالاعتذار الرقيق!
لقد “جرصناهم” أمام الإسرائيليين: فلسنا في مستوى “العدو”.
وكيف نكون في مستوى “العدو” إذا كنا دون مستوى “الرعية”؟!
وأخجلتاه من هذا الإسرائيلي الذي استعد لنا طوال نصف قرن أو يزيد، فأنشأ المفاعلات النووية وحشد الطائرات والدبابات والمدافع وأقام أقدر أجهزة المخابرات، ثم كفاه ملوكنا شر القتال!
صحيح أننا “فضيحة”، ونستحق عذاباً أشد من أصحاب الجلالة ملوكنا الأشراف!

Exit mobile version