طلال سلمان

على الطريق مصر الكبرى

في صميم التحرك الشعبي الواسع الذي تعيشه مصر هذه الأيام، وعلى هامشه يدور صراع بين اتجاهين ومنطقين متناقضين تماماً:
يقول الأول أن مصر لا تستطيع أن تحرر وتشبع خبزاً في الوقت ذاته، وأن عليها أن تختار أي المعركتين تريد أن تخوض لتنصرف إليها وحدها مهملة سواها.
ويقول الثاني أن مصر أمام خيار واحد: أن تحرر وتشبع معاً، أو لا تحرر ولا تشبع أبداً.
أصحاب الاتجاه الأول يزعمون أن مصر يجب أن تنطلق في تحقيق أهدافها من موقع متواضع فتتخلى عن زعامة العرب، ولو كانت حقها الطبيعي، وعن القيادة والريادة والطليعة وما إلى ذلك من مطامح ليس لها سند من نفط أو غاز او أرصدة في الخارج. ثم تقنع بأنها “دولة عادية”، بل فقيرة، ومحتاجة، وتوظف هذه القناعة لدى مشيخات النفط والدول العربية الغنية كي تشفق عليها وتساعدها عملاً بمبدأ “ارحموا عزيز قول ذل”!
أما أصحاب الاتجاه الثاني فيرون أن مصر تكون زعيمة وقائدة وراىئدة للعرب أو لا تكون، وإنه يستحيل عليها أن تأخذ من موقع الضعف حتى الصدقات، وإنه إذا كانت قد أخذت في الماضي فما ذلك إلا لأنها ألزمت نفسها بمسؤوليات معركة التحرر القومي، فما عاد أحد يستطيع أن ينكر عليها وعلى شعبها حق الإفادة من ثروة العرب القومية.
وباختصار، فإن الصراع بين من يريد “مصر كبيرة” ويرى في ذلك الكبر الحل الوطني الأكيد لمشاكل مصر الداخلية جميعاً، إضافة إلى تحرير الأرض، ومن يريد “مصر صغيرة” ويجد في الصغر نفسه سبيلاً إلى أخذ المعونات والاستقواء بالصداقات على المذهب اللبناني الشهير “لبنان بلد قوته في ضعفه”!
وواضح أن هذا الصراع هو، في الحقيقة، بين مصر الثورة العربية، المقاتلة، وتيار إقليمي انعزالي، رجعي بالضرورة، داخل مصر، تسنده على المستوى العربي الانعزاليات والإقليميات والرجعيات وشيوخ النفط، وعلى المستوى الدولي الإمبريالية الأميركية التي كانت تسمى سياسة عبد الناصر القومية “تدخلاً في الشؤون الداخلية للدول الأخرى” و”تسلطاً” و”مطامع توسعية” ، وتدعوه باستمرار إلى الانكفاء والاكتفاء بمصر المصرية والعيش على “قمح” فائض الأغذية الأميركية..
إن الوقوف بوجه هذا التيار ليس مهمة الحركة الوطنية المصرية فحسب، بل هو مهمة كل عربي، يرى في مصر – مصر الثورة العربية المقاتلة – ضماناً لمستقبله ولحريته ولكرامته وخبزه أيضاً. وهو في تشبثه بمصر الكبرى وتعصبه لها يحمي ذاته كما يحمي مصر وشعبها.
والمنطق القومي يفرض نفسه على الجميع، مصريين وغير مصريين، والمعركة بطبيعتها معركة قومية، يخوضها كل العرب وفي سائر الميادين معاً، وليس ثمة من هو مسؤول عن القتال والتحرير، ومن هو مسؤول عن تقديم شيء من الخبز لفقراء المقاتلين!
و”مصر الكبرى” ضرورة لهذه المعركة القومية من أجل كل العرب، والأغنياء منهم خاصة، كما من أجل كل المصريين.

Exit mobile version