طلال سلمان

على الطريق لا نقدر على شارون فماذا عن الشارونيين؟

… وبين “خلده” اللبنانية و”الخالصة” التي صارت – بالقهر – “كريات شمونه” يتسع ميدان “حرب المفاوضات” لتجربة أنواع جديدة من الأسلحة ومن أساليب القتال والمناورة، ومن أسف أنه يتسع أمام عدونا أكثر ما يتسع أمامنا، خصوصاً وإن “يتبرع لهذا العدو بمدى حيوي يتجاوز كل مدى بلغته دباباته خطورة وفظاعة في نتائجه.
في هذا السياق تجيء “زيارة” شارون إلى بيروت، ويجيء استقباله وتجيء تصريحاته التي تعاملت معها إحدى وكالات الأنباء المحلية “بموضوعية” قل نظيرها، برغم ما تضمنته من إهانات للبنان – دولً وشعباً – ومن احتقار لعقولنا ومن بجاحة لا يستغرب صدورها عن المحتل وأن يظل مستغرباً قبولها أو التصرف إزاءها بهذه الدونية والتبعية التي تتجاوز حدود العمالة للأجنبي.
وإذا كنا ما نزال أعجز من أن نمنع شارون من القدوم إلى بعض أنحاء لبنان والشطر الآخر من بيروت، (ورفع السيارات من الطرقات التي سيسلكها موكبه، بحجة إن بينها سيارات مفخخة!!) فلا أقل من أن نمنع “التفاف” عدد من الصحافيين والمراسلين حول شارون، والتوجه إليه بالأسئلة، ناهيك عن محاسبتهم على ما ينشرونه ويوزعونه على الناس من سموم، وكان ذلك أمر في غاية الطبيعية والإخلاص المهني!
إننا نلحظ نشاطاً متزايداً لبعض أجهزة الدولة الأمنية في بيروت الغربية على الأقل: “تضبط” محامية فرنسية للتحقيق في فظائع الاحتلال الإسرائيلي فترحلها على أول طائرة، وتدهم مكتب اتحاد الصحافيين العرب، وتطرد موظفاً في مركز الأبحاث الفلسطيني، وتطوق أحياء ومناطق كاملة بحثاً عن “مشبوهين” وتستجوب رجال دين وشخصيات يفترض أن تكون لها حصانات،
وطالما إنها بمثل هذا السهر واليقظة فلماذا لا نراها تنشط في مطاردة ومداهمة واعتقال أولئك الذين يتصلون بالعدو الإسرائيلي ويروجون دعاياته ويعممون تصريحاته المسيئة إلى كرامة الوطن والمهددة لوحدة اللبنانيين؟!
أفليس من حقنا في مثل هذه الحالة أن نفترض أحد احتمالين: الأول أن الدولة ما تزال غير موجودة في “الشرقية” نتيجة لهيمنة أطراف أخرى عليها تمنع على الدولة وأجهزتها أن تتحرك لتطبيق القوانين، والثاني إن هذه الأجهزة منحازة أو غير كفوءة أو مقصرة أو “مطنشة” عما يجري تحت أنفها، وبالتالي إنها متحيزة ضد الدولة ولا تلتزم بسياستها المعلنة؟!
على إن موضوعنا ليس واقع أجهزة الأمن وكيفية أدائها لمهماتها،
إن ما يعنينا هو مجيء شارون شبه العلني، وتجوله في بعض أنحاء لبنان وبيروت على وجه الخصوص، وما أطلقه من تصريحات، عدائياً تستهدفهم ما يحاول الحكم بناءة تعزيزاً لموقع لبنان التفاوضي.
وأول ما نفهمه من “زيارة” شارون إنها رمي للقفاز في وجه الدولة اللبنانية وتحد للحكم في سعيه لإجلاء المحتل الإسرائيلي بغير ثمن، إذا أمكن، وبأقل ثمن ممكن إن كان لا بد من ثمن… ولا حول ولا قوة إلا بالله.
إن شارون عبر “زيارته” وتصريحاته يقول لنا (للدولة والحكم والناس) إنه موجود “فينا” و”داخلنا” وإن قوة وجوده هذه تكاد تفوق قوة نيران دباباته التي تحتل ثلث لبنان أو يزيد.
إن شارون يريد أن يقول إنه “حزب محلي”، أي إنه قوة ضغط محلية على الدولة والحكم، وها إن “حزبه” يعد ويستعد لزيارته ولاستقباله. ويتلقى كلامه بارتياح فلا يستهول ولا يستنكر حديثه عن “تحرير لبنان”، ويتقبل بغير مناقشة ادعاءاته عن أنه لا يطمع “لا في متر مربع من أرض لبنان ولا في متر مكعب من مياهه”!!
وشارون المستقوي بهذا “الحزب” ويكون هذا “الحزب” يشل فاعلية الدولة ويعطل الكثير من قدرتها على الحركة، يطالب بلقاءات على مستوى وزراء ، بل وحتى على مستوى قمة تجمع الرئيس أمين الجميل وبيغن لتجاوز الصعوبات التي تعترض المفاوضات.
وبغض النظر عن الإيحاء الواضح بأن إسرائيل هي التي تعقد المفاوضات لتستدرج إليها الوزراء أو الرؤساء (إذا هي استطاعت أن تفرض ذلك)، فإن شارون يطرح المسألة على أنها خلاف بين المحتل الإسرائيلي والوسيط الأميركي، وكأن لبنان غير معني أو غير موجود أو كأنه كان وافق لولا… التدخل الأميركي!!!
ثم إن شارون يهددنا بأننا إذا لم نقبل ما يحاول فرضه علينا فإنه سيسحب قواته إلى منطقة الـ 45 كلم، وبهذا “يبقى الاحتلال الغريب قائماً”!! وحتى لا يحصل المأزق فإن شارون يخبرنا بين “أن يكون لبنان محرراً من قوى الاحتلال الغريب” بواسطته وبأفضاله وبين أن نخرج من جلدنا ومحيطنا وهويتنا ومصالحنا لأن “العرب لن يحلوا مشاكل لبنان”!
وخلاصة هذا المنطق: تكونون كما “جماعتنا” في لبنان، أي إسرائيليين، فنخرج، وترفضون فنبقى ولتنفعكم دولتكم العربية إلى الأبد، المستقلة إلى الأبد!
هذا ما يقوله شارون، ويبقى ما يقوله اللبنانيون.
إن شارون يحاول الالتفاف على الحكم وتطويقه ومحاصرته لابتزازه إلى أقصى حد ممكن، وواجب الحكم أن يواجه الموقف بشجاعة مطمئناً إلى أن اللبنانيين مستعدون لمجابهة منطقة المحتل (وعسكره) حفاظاً على سيادة لبنان واستقلاله وهويته العربية.
إن شارون يسقتوي بالأقلية التي انحازت إليه حتى من قبل أن يجيء بدباباته محتلاً، متجاوزة حدود الوطن ومصالحه، وهو يستقوي على الحكم وعلى الأكثرية معاً.
وهكذا يصبح ضرورياً أن يتوحد موقف الحكم مع موقف الأكثرية لخوض هذه المعركة الإضافية في حرب المفاوضات من أجل التحرير.
.. لاسيما وإن التحرير يصبح في هذه الحالة شاملاً للأرض كما للنفوس، ويكون الانتصار هنا في إخراج المحتل من بعض المناطق ومن بعض العقول والصدور والضمائر، وهو فيها أخطر أثراً وأشد ضرراً مما يمكن أن يكون في خلده أو في بيت مري أو في الجنوب كله أو حتى في مرصد الباروك الكاشف.. للعجز العربي.

Exit mobile version