طلال سلمان

على الطريق لأننا الخاسر بين رابحين فلنكن المتأني بين متعجلين

… وبين “خلدة” اللبنانية و”الخالصة” التي صارت – بالقهر – كريات شمونة”، وعلى هامش “حرب المفاوضات” تدور رحى معارك أخرى عنيفة بين الأطراف المعنية الأخرى، العربية والدولية، ويحاول كل منها إعادة توظيف الاحتلال والموقف منه لتصحيح موقعه أو لتعزيزه أو لتبديله مستفيداً من الضباب الذي يغطي سماء المنطقة، عشية ولادة عنصر التحول الجديد فيها.
والسمة العامة لهذه المعارك هي الاستعجال والتلهف على تحقيق أفضل النتائج الممكنة في أقصر مدى زمني ممكن، لأن الاحتلال لا يمكن أن يدوم إلى ما لا نهاية، ولأن الوضع ليس نهائياً وليس ثابتاً في وجه الاحتمالات المختلفة، وبينها احتمال حدوث تغيير أو تغييرات ما، قد تكون محدودة ولكنها تظل كافية لإعادة بناء التوازن الهش الحالي وفق قواعد جديدة.
الكل مستعجل ومتلهف على أن يحقق عبر المفاوضات أو على هاشمها، أي عبر التعامل مع نتائج الغزو الإسرائيلي للبنان، ما يفيده في موقعه وفي تعزيز إمكانات مواجهته لهذه النتائج وتعامله مع تداعياتها المنطقية مستقبلاً.
*فريغان، ومعه الإدارة الأميركية، متعجل لأنه يريد أن يوظف “النتيجة المقبولة” للمفاوضات، وهي ما يراهن على الوصول إليه، كمدخل إلى تحقيق مشروعه الخاص بحل “مشكلة الشرق الأوسط” حلاً يناسب المصالح الأميركية ويرضي الإسرائيليين من غير أن يحرج أصدقاءه من حكام العرب أو يغضب عليهم شعوبهم فتسقطهم ومعهم الاتفاقات الحاملة أختامهم والممهورة بتواقيعهم السامية.
*والرئيس المصري حسني مبارك متعجل لأنه يريد أن يلعب دوراً في تحقيق “نتيجة مقبولة” للمفاوضات، بما يزكيه ويقويه داخل مصر ويوفر له فرصة طيبة لحماية نظامه في مواجهة حملات الضاغطين عليه من على يساره أو من عن يمينه.
وقوى الضغط ذات التوجه الوطني والقومي، وهي التي إلى يسار النظام، تسجل على مبارك قصوراً بالغاً وتقصيراً فاضحاً في التعامل مع الغزو الإسرائيلي للبنان، ثم مع نتائجه بدءاً من إخراج المقاومة الفلسطينية وانتهاء بواقع استمرار الاحتلال حتى الآن وإجبار لبنان على التسليم بمبدأ المفاوضات ثم بمبدأ المناقشة في قضايا كثيرة هي من صميم استقلاله وسيادته، كل ذلك دون أن يصدر عن القاهرة أو فيها ما يحد من جموح المحتل الإسرائيلي أو تهاون الوسيط الأميركي.
أما قوى الضغط التي عن يمين النظام فتضم “الساداتيين” و”الإسرائيليين” داخل الإدارة والأجهزة المصرية، ومليونيرات عصر الانفتاح وجمعية المنتفعين ببيع مصر بالجملة والمفرق، فترى إن مبارك أعطى أكثر مما يجب وتورط فكاد يفسد العلاقة مع شريكي السادات في كامب ديفيد: بيغن والإدارة الأميركية، وإنه فتح عليهم – بتهاونه مع المعارضة ومع العرب – أبواباً تجيئهم منهم الريح التي تهدد مصالحهم بينما كان عليه أن يسدها تماماً فيريحهم ويستريح.
*والملك حسين متعجل لأنه يعرف إنه المرشح التالي للمفاوضات، وإن النتائج هنا ستحكم وستحدد طبيعة دوره المقبل والمهمة الموكلة إليه، ويريد أن يتحقق من قدرته على القيام بأعبائها وموقع “الشريك الفلسطيني” في ذلك كله، خصوصاً وإنها شراكة تتم برغم أنف طرفيها!
ثم إن الملك حسين يعرف إن مهمته المحتملة ستتعرض لضغط يجيئها من على يساره، أي من دمشق ومن معها، ولضغط آخر يجيئها من على يمينه أي من النظام المصري المكبل باتفاقات كامب ديفيد،
ومثل هذا الوضع يوسع هامش المناورة أمام منظمة التحرير الفلسطينية، ولو بحدود معينة، ويضيق فرصته في إلغائها كلياً أو تحجيمها بحيث لا تكون شراكتها كاملة (أي بالمناصفة) ، وإن كان لا يحرمه إمكان دفعها إلى الخروج من المعادلة بالإحراج وباعتماد المزايدة وليس المناقصة.
*والحكومة الإسرائيلية متعجلة، وأكثر المتعجلين عجلها السمين شارون، لأسباب عديدة شرحها بنفسه أكثر من مرة، لكنه أسقط الدافع المباشر للاستعجال وهو التقرير حول مسؤولية جيش الاحتلال (وبالتحديد وزير الدفاع) عن مذابح صبرا وشاتيلا حتى لو كان منفذوها من المحسوبين على “القوات اللبنانية” أو ميليشيا سعد حداد، والمفترض أن تنشر نتائج التحقيقات حول هذه المذابح في منتصف شباط المقبل، أي بعد أسبوعين فقط من اليوم.
أما لبنان الرسمي فيفترض أن يكون – بداهة – طليعة المتعجلين للخلاص من الاحتلال الإسرائيلي، وطالما إن المفاوضات هي الطريق أو المدخل فمن واجبه (وكذلك من مصلحته الوطنية) أن ينهيها في أسرع وقت، إذا ما استطاع التحكم بالنتائج أو ضمان إنها لن تجيء على حساب أرضه وحقه في ممارسة سيادته عليها.
لكن الواقع حتى هذه اللحظة، إن لبنان – ولأسباب عديدة أبرزها الموقف الأميركي الرخو – لم يستطع لا أن يتحكم بمسيرة المفاوضات وموضوعها ولا أن يطمئن إلى نتائجها المحتملاة.
على هذا فهو المطالب بالصبر والعض على الجرح، مستفيداً من تلهف الآخرين على الانتهاء منه بسرعة لترتيب أوضاعهم همز
إنه أكثرهم تحرقاً إلى يوم خلاصه من الاحتلال الإسرائيلي، بكل ما يرتبه استمرار هذا الاحتلال من معاناة وآثار مدمرة سياسياً واقتصادياً وثقافياً وعسكرياً.
ولكنه غير مضطر لأن يخسر بالتسرع، وتحت ضغط الآخرين المتعجلين لأسباب تخصهم ولا تخصه، لأن يدفع ثمناً مضاعفاً من كرامته واستقلاله وأرضه، حتى يرتاحوا هم،
إذا كانوا متعجلين حقاً فليساعدوه على الانتهاء من المفاوضات بما يرضيه وبما يعوضه القليل القليل مما خسره حتى الآن.
إنه الخاصرص الوحيد في صفقة تقتتل أطرافها الأخرى على الحصص ونسب الربح، فلماذا يتعجل كما يتعجلون؟!
إن الزمن سلاح رهيب إذا أحسن استخدامه،
والزمن، في هذه اللحظة، يخدمنا أكثر مما يخدم الآخرين، فلنستخدمه،
خصوصاً وإن العديد من أصدقائنا وأشقائنا لا يستخدمون مام يملكون حقيقة من أسلحة، أو هم لا يستخدمونها بالكفاءة والفعالية والدقة المطلوبة.
… كما إن شارون يستخدم الآن كل احتياطيه من الأسلحة: الضغط السياسي، الإحراج المباشر وشبه الشخصي، التفجيرات الأمنية، والتلويح بشراكة مستحيلة مع السوريين والسوفيات.
لنهدأ قليلاً، في انتظار أن تتسارع وتتزايد حركة الآخرين، وهي بالقطع ستتسارع وستتزايد مسقطة في طريقها الكثير من شروط شارون، وربما شارون نفسه،
وبعدها يكون لكل حادث حديث.

Exit mobile version