طلال سلمان

على الطريق قذيفة خلدة وموقع أوراق الحلّ!

… وبين “خلده” اللبنانية و”الخالصة” التي صارت – بالقهر – “كريات شمونه”، يمكن رصد النتائج الفعلية لسياسة “99 في المئة من أوراق الحل بيد الولايات المتحدة الأميركية”.
فها قد بدأت ترتفع الأصوات مطالبة بضرورة مساعدة الإدارة الأميركية ورئيسها ريغان ومبعوثه فيليب حبيب ومساعده درايبر، إلى آخر السلسلة، وكأنما هم الضحية لا نحن، أو كأنما لم يكفنا ما ألحقه بنا العدوان الإسرائيلي والاحتلال فلا بد أيضاً من دفع “خوة” الحل للأميركاني بوصفه “شريكاً مضارباً” وليس شريكاً كاملاً!
والبعض من المخدوعين ما يزال يردد، بسذاجة: “جبناك يا فيليب حبيب لتعين أتاريك يا فيليب حبيب تنعان”، مفترضاً إن شكوانا وتظلمنا وبكاءنا على سيادتنا واستقلالنا تسبب له حرجاً في علاقته مع الإسرائيلي المتعنت، وتهدد بإفساد قدرته على التأثير عليه وإغرائه بترك أرضنا وشأنها.
كان المعركة بين واشنطن وتل أبيب أما نحن فمجرد “هتيف” أو “مشجع” لفريق ريغان، حتى إذا انتهت المباراة – ولو بالتعادل – عدنا تسبقنا أهازيج الفرح والزهو بالانتصار المجيد.
ولولا بعض الحياء لتظاهر المشجعون والهتيفة احتجاجاً على إنهاك فيليب حبيب بالأسفاروالتنقلات المكوكية، ولكتبوا إلى ريغان مستعطفين ألا يؤاخذهم على اضطرارهم إلى المناقشة والمجادلة في ما تحاول إسرائيل فرضه، علينا، مما يتسبب في إضجار الشاهد الأميركي وهدر وقته الثمين في مالا طائل تحته.
هذا حتى يوم أمس و”الفضيحة” التي جرتفي خلده، وعلى بعد أمتار من فندق المفاوضات.
تصورا، بعد هذا الجهد الأميركي المضني، وبعد المماحكات الطويلة والفزلكات وأتعاب العيون في التنقيب في القواميس عن كلمات وتعابير تخفف معاني الارتهان والإخضاع المذل والاستسلام، يجيء من يطلق على المفاوضات قذيفة!
وحمداً لله إن المفاوضات نفسها لم تصب إصابة مباشرة، إذ جانبتها القذيفة الجانبية، وبرغم ذلك فقد نقلت سمعة أميركا العظيمة إلى غرفة العناية الفائقة، للاطمئنان إلى أن لا خطر على سلامتها الغالية.
أما فيليب حبيب فكان (شكرا لله) في السماء السابعة يطير على خده آثار صفعة جديدة تلقاها المسكين من بيغن اللئيم، صفعة ما كان أغناه عنها لولا حبه المقيم للبنان، ولولا إخلاصه المكين للعرب[، ولولا إنه مصر على إيصالنا إلى حقنا الكامل بأي ثمن!
ما علينا، قلبنا الآن على حي السلم ومن فيه!
هل تعرفون أين يقع حي السلم ومن فيه؟!
أما موقعه فعلى الحد الفاصل بين المطامع الإسرائيلية والضغوط الأميركية الباسلة بجنود المارينز البواسل،
وأما من فيه فهم بعض الرعاع (ممن يسمون تجاوزاً الشعب) الذين لا يعجبهم العجب ولا الصيام في رجب، والذين يأخذون الأمور ببساطة: واشنطن صديقة لإسرائيل، وإسرائيل عدونا، وجيشها المعتدي يحتل أرضنا، ونحن لنا الحق بأن نكون أسياداً فوق أرضنا، وعلى قوات الاحتلال أن ترحل!
في حي السلم، والأحياء الأخرى المجاورة عن يمين وعن شمال، من فوق ومن تحت، يقيم “الحبيب” الحقيقي للبنان، والذي لا نعرف بالضبط اسمه ومدى علاقته بالقذيفة، ولكننا نعرف أنه لم “يزعل” كثيراً لانطلاقها في اتجاه المفاوضات التي يريدون أن يأخذوا عبرها ما لم يأخذوه بالحرب. ربما قد خاف، وربما يكون الآن قد “هج” من منزله خوفاً من المداهمة المحتملة، ولكنه بالتأكيد ليس أكثر استعداداً للتنازل عن مطلق القذيفة المجهول.
إن القذيفة أبلغ من أي كلام. لقد قالت، بالنار والصوت والصدى، كل ما يتحرج الآخرون من قوله.
وما تحديد الإسرائيليين لحي السلم كمصدر لانطلاقها إلا إشارة إلى عدوهم الحقيقي في لبنان: الناس، الناس البساطة والطيبة: أولئك الذين يحلمون بيوم لا يداهمهم في ليله أو في ظهره كابوس التهجير من النبعة إلى الجنوب، ومن الجنوب إلى حي السلم، أو من حي السلم إلى معسكر المعتقلين في “أنصار” أو في المعسكرات الأخرى.
والقذيفة رمزية.
لكن أثرها يمكن أن يكون مادياً ومحسوساً، بل وناطقاً بحكمة تقول: أوراق الحل في يد صاحب المسألة، وبمقدار ما يحافظ عليها ويصونها ويحسن استخدامها يكون الفوز ويتوفر الحل المعقول والمقبول، أما إذا سلمها إلى الآخرين، سواء أكانوا أميركيين أم غيرهم فعليه أن يقبع منتظراً الفئات الذي قد يمنحه إياه الإسرائيليون.
… مع بركات فيليب حبيب وتحيات درايبر وأطيب تمنيات الرئيس ريغان الجزيل الاحترام.

Exit mobile version