طلال سلمان

على الطريق عن اليونان.. بالعربي!

الذين هللوا ويهللون لانتصار الديمقراطية في اليونان، ممثلة بالمدنيين من الساسة، على العسكر ينسون – عن سابق قصد – جملة من الحقائق الأساسية التي كشفها مسلك أثينا حيال أزمة قبرص.
أولى هذه الحقائق أن ديمقراطية هؤلاء المدنيين، من كارامنليس إلى باباندريو إلى شلة الملك، هي التي مهدت وبررت للعسكر أن يقفزوا فيستولوا على السلطة.
فهذا النمط الأشوه من الديمقراطية، وقد خبرناه في لبنان وغيره من أقطار العرب، أعجز من أن يحقق أياً من المطامح المشروعة للشعب.
وتحديداً هو أعجز من أن يحقق تحرراً كاملاً للوطن من التبعية الاستعمارية، سواء أكانت زعيمة المعسكر الإمبريالي بريطانيا أم فرنسا أم الولايات المتحدة الاميركية.
كما أنه أعجز من أن يحقق عدالة اجتماعية، في ظل تبعية سياسية، ولو مقنعة ولها تسميات تأخذ الحساسيات الوطنية بعين الاعتبار مثل “الأحلاف” و”الشراكة في المسؤولية عن سلام العالم” والتزامل في عضوية نادي “العالم الحر” وما إلى ذلك…
وفي اليونان، كما في تركيا (وقبرص بالطبع)، يعيش الفقر ويتنامى وتشتد أمة البلاد الاقتصادية يوماً بعد يوم، في حين تزداد الطبقات الحاكمة والمالكة غنى، وتزداد على الجانب الآخر المسؤوليات العسكرية نتيجة للارتباط بالحلف الأطلسي.
ومنذ لحظة وصولك إلى مطار أثينا تتبدى أمام عينيك صورة المفارقة المفجعة: فعلى ارض المطار تتكدس عشرات، وربما مئات الطائرات المدموغة بشارة قوات الجو الأميركية، أما في شوارع عاصمة الاغريق وفي أزقتها، وفي منازلها، فيتكدس الجياع والعاطلون عن العمل.
وماذا يعني لهؤلاء أن يحكمهم مدنيون ليبراليون أو فاشيست العسكر طالما إن أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لم تتبدل؟!
… وطالما أن الفريقين يحملان شهادة حسن سلوك من واشنطن ممهورة بختم صاحبة الجلالة ملكة بريطانيا العظمى؟!
وثاني هذه الحقائق إن حكماً تابعاً – عسكرياً كان أم مدنياً – لا يمكن أن يكون مبادراً، بل ولا يمكن أن يكون حاسماً في مواجهة قضايا بلاده، بما في ذلك القضية الوطنية.
وعجز كارامنليس الديمقراطي البرلماني أمام قضية التدخل العسكري التركي في قبرص، وبغض النظر عن مشروعية هذا التدخل أو مشروعية المطالبة اليونانية بالجزيرة، لم يكن أقل من عجز غيزيكيس.
وثالث هذه الحقائق إن واشنطن تحرص، أولاً وأخيراً، على مصالح واشنطن، ولا تهمها مصالح أصدقائها – عسكراً ومدنيين – بكثير أو قليل إذا هي “تميزت” عن مصالحها.
وهكذا رأيناها تبيع في لحظة واحدة قبرص أرضاً وشعباً، وحكم اليونان العسكري ثم المدني، لتأمين مصالحها، مثبتة إن الدبابات التركية الأميركية الصنع تمشي هي الأخرى على جثث أصدقاء واشنطن، كما مشت من قبل الدبابات البريطانية على جثة نوري السعيد في العراق، دون أن تذرف لندن دمعة واحدة على صديقها “التاريخي” لانشغالها ببناء رأس جسر لعلاقة طيبة مع الحكم الذي أزاحه وسحله!
ورابع هذه الحقائق إن الدولة التابعة لا يمكن أن تصير قوة عسكرية يحسب لها حساب. فإذا كانت اليومان قد عجزت عن التدخل العسكري في قبرص، فإن القوات التركية قد احتاجت أياماً طويلة للقضاء على مقاومة شراذم الحرس الوطني في الجزيرة الصغيرة.
… على أن اسماعيل فهمي قرر مد إقامته في واشنطن لمزيد من المباحثات مع أصدقائه في البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأميركية حيث العزيز هنري والبنتاغون حيث الصديق الجديد شليسنغر!
واسماعيل فهمي، على حد ما تكشف تصريحاته، يريد من الأصدقاء في واشنطن حلولاً لمشاكل الفقر والبطالة والتخلف، كما يأمل أن يحصل منهم على سلاح نبني به جيشاً قوياً لمواجهة عدونا الإسرائيلي… تأكيداً للاستقلال الوطني، وتأميناً للأهداف القومية.
ولعله يعود منها أيضاً بوصفة لعلاج الديمقراطية المريضة في بلادنا، فأميركا كما نعرف وتعرف بلاد الخوارق والمعجزات والديمقراطية الحق كما يقول “كتيبة” مقاهي بيروت!

Exit mobile version