طلال سلمان

على الطريق حرب المفاوضات أيضاً..

تذهب دمشق إلى المفاوضات باعتبارها أخطر الحروب، وتتصرف فيها تصرف “المحارب” الباقي في الميدان ولو وحيداً.
أما إسحق رابين فلا يريد، حتى وهو يفاوض، أن تنتقص صورته “كمنتصر” له الحق المطلق في أن يفرض شروطه كاملة على “أعدائه المهزومين” في ميادين القتال.
إنه يتصرف وكأن مفاتيح العواصم العربية جميعاً قد باتت في يده، وأن الخبز اليومي لأي مواطن عربي، في مشارق الأرض العربية ومغاربها، قد بات في عهدته وهو – وحده – المانح المانع.
ولعله اليوم، وقد فتح له السلطان قابوس الباب الخلفي للخليج على مصراعيه، وبشكل استثنائي، حين استضافه لمسامرة جارحة (عربياً)، قد بات أشد تعنتاً وعتواً ومبالغة في تقدير قوته على حساب التهالك العربي الرسمي.
لهذا فهو يضيق ذرعاً “بالمفاوض العربي الوحيد”، أي سوريا، لأنه يسقط تلك الأسطورة خصوصاً وأن دمشق ترفض كل ما يمكن أن يمس صورتها، ومن ثم صورة “العربي” كمحارب خسر بعض معاركه لكنه لم يخسر كل شيء، وبالتالي فليس مستعداً للاستسلام بغير قيد أو شرط.
كذلك فهو يضيق ذرعاً بأي تردد عربي في “التطبيع” الكامل الشامل وغير المحدود، في الثقافة كما في السياسة، وفي السياحة كما في الاقتصاد، وفوق الأرض كما تحتها وصولاً إلى البحار وبحيرات الغاز فيها.
في المقابل يستشعر النظام المصري شيئاً من الغصة والحسرة، لأن السادات أعطى أكثر بكثير مما يجوز، وأفقده حق النقض، إذ كبله بما يقيّد حركته في الحاضر والمستقبل،
ربما لهذا يحاول حسني مبارك التعويض عما سلف عبر دعمه “المفاوض العربي الوحيد” أي السوري.
إنه يجتهد لأن يرضي المصريين عبر سوريا بما لم يستطع أن يمنع السادات عن اتيانه إرضاء لإسرائيل ودائماً بذريعة استمالة واشنطن التي تملك “99 في المائة من الأوراق”.
ولهذا تشتد حملة إسحق رابين على مبارك، معززة بضغط أميركي جديد لأمس حدود التفكير بالتغيير… فقد عاد مسؤولو المخابرات والجيوش الأميركية من زيارتهم “التفقدية” لمصر، مؤخراً، بصورة “رمادية” للوضع المصري الذي يبين عوامل ارتباكه الأضعاف الأميركي والإذلال الإسرائيلي المنهجي.
ورابين “يتهم” مبارك الآن بأنه “يناصر التيار القومي” في مصر، وهي تهمة سبقته إليها واشنطن، وإن كانت حاولت تبريرها بأن النظام لا يستطيع مواجهة “الإسلاميين” بتوثيق العلاقة مع إسرائيل.
في أي حال فقد اكتشف عازر وايزمان وبالملموس عمق “الهوة الشعبية” التي تعترض التطبيع بين مصر وإسرائيل، وهي هوة لا تردمها حماسة السلطان قابوس أو بعض المغاربة لطي الصفحة والاندفاع في تحالف جديد قيادته لإسرائيل.
ولعل “إغارة” رابين على مسقط تكشف كم أنه مناور في “الاتصالات غير المعلنة” في واشنطن،
لكن ذلك لا يفعل إلا تأكيد الدور الاستثنائي لسوريا: إنها تحاول استنقاذ ما يمكن إنقاذه على المستوى القومي. والمضمون هو الأصل وليس الشكل، والقضية أهم من المفاوض وليس العكس كما تصرّف السادات.
وهذا بالتأكيد بين أسباب اختيار الرئيس الأسد المفاوض باسمه من بين أفضل المحاربين.

Exit mobile version