طلال سلمان

على الطريق حتى لا يصدم “الشارع” بالجيش..

لا يرد على الغلط بغلطة قد تؤدي إلى كارثة بدلاً من أن تؤدي إلى الإصلاح أو الإنقاذ أو الاستدراك المنشود.
ويجب أن نعترف أن زمان الضغط على الحكم، كله أو بعضه بالإضراب والتظاهر قد مضى وانقضى، لاسيما في ظل هذا الخواء السياسي الذي يكاد يغرق البلاد في مستنقع آسن من الصفقات والرشاوى والعجز والارتباط والارتجال والاجتزاء وانعدام الخيال.
لا بد من صيغ جديدة للعمل الشعبي، خصوصاً وإن مؤسساته القائمة بالتمديد أو بالاستمرار الاضطراري المرتكز إلى توازن هش لا يصمد لأية هزة، ليست مؤهلة لقيادة تحرك جماهيري قادر على تخطي الحواجز الطائفية والمذهبية والمافياوية،
ثم إن هذه المؤسسات المفترضة شعبية لا هي بقادرة على توفير الحل، ولا هي مؤهلة لأن تكون البديل، ثم إنها تحمل في أحشائها الكثير من العلل والأمراض التي تنخر جسد الحكم فتشله عن إنجاز الحد الأدنى مما هو مطلوب منه.
فالحكم، في خاتمة التحليل، لم يهبط على البلاد بمظلة مسقطاً من كوكب آخر.
إنه مثل “المؤسسات” الأخرى ذات “الهيئة” الشعبية، بعض إفرازات الحرب الأهلية في طورها الأخير: فيه من العيوب مثل ما فيها (وأكثر) ، وفيه من أمراض التوازن الهش المفروض بقوة القرار الدولي والتحصين العربي (السوري)، مثل ما فيها (وأكثر).
هي هشة، وهو هش، ولا ندري من هو الأكثر هشاشة.
هي تنتمي إلى عصر مضى وهو “محير” يحاول الخروج من جلد العصر الماضي فتشده مصالحه وأهواؤه وأفكاره والتقاليد التي تربى عليها، ويحاول ادعاء الانتماء إلى المستقبل فيمنعه قصوره وغياب رؤياه وافتقاره إلى الحلم.
إنه مثلها ابن الماضي ولا يمكن أن يكون أباً للمستقبل المنشود.
إنه مثلها انتقالي، لا هو الذي كان تماماً، ولا الذي سيكون، أو يفترض أن يكون بالتحديد،
إنه مثلها “الكل” نظرياً و”لا أحد” عملياً.
إنه مثلها تكتل اضطراري منعاً للفراغ، لكنه ليس عنوان الامتلاء أو بشارته.
وهو مثلها يعوم في بحر من الأخطاء والارتكابات والتجاوزات والقصور بلا ضفاف يخابط حتى لا يغرق، وقد سقطت أوهامه بأن يتقدم أو يبلغ شاطئ الأمان، أي أمان.
ليست هذه دعوة للمصالحة بين الحكم وبين الاتحاد العمالي العام،
فلا بين الطرفين حقيقة خلاف مستحكم أو عداء قديم أو تنافر بالطبيعة، ولا هما قادران حتى لو اتفقا على ابتداع المخرج المنقذ للبلاد من مأزقها الاقتصادي الخانق.
الأزمة أخطر من قدراتهما مجتمعة بكثير، وأكثر تعقيداً وأطول عمراً من أن يستطيعا باجتراح معجزة ما تمكين البلاد من تجاوزها.
إن “الشارع” لا يحتاج إلى مزيد من الإثارة أو التهييج.
ثم إن الحل العتيد ليس في “الشارع”، ولا “الشارع” هو الطريق إليه.
ووضع “الشارع” في مواجهة الحكم “المشكو منه والمرذول والمكروه الخ) لن يؤدي إلا إلى مزيد من التعقيدات السياسية التي سرعان ما تترجم في بلد كلبان إلى مزيد من الانقسام الطائفي والمذهبي.
ولعل “المؤامرة” التي يكثير الجميع من الحديث عنها كانت ترتكز إلى ترتيب مجموعة من الصدامات تلغي فيها كل مؤسسة من مؤسسات السيادة في الدولة المؤسسة الأخرى (الحكومة تلغي المجلس النيابي والعكس بالعكس، وإسقاطهما يسقط معهما المؤسسة الثالثة) فلا يبقى غير أن يصدم “الشارع” بالمؤسسة الأخيرة: الجيش، لعل التخطيط التآمري كان يستهدف إيصال الأمور إلى حد الاستنجاد بالمؤسسة العسكرية بذريعة حماية الحكم من “الشارع”، وتلك هي الكارثة وذروة المؤامرة في آن.
لا حل من الخارج: خارج البلاد، أو خارج الحكم (بكل عيوبه).
هذا الحكم المسؤول عن الأزمة هو المطالب بإيجاد “مخارج” طالما تعذرت الحلول، وتوفير مسكنات تساعد الناس على التكيف مع واقع الحال طالما يتعذر العلاج الجدي والمؤدي إلى الشفاء الكامل.
وهذه الهيئات الشعبية القائمة بعد، ولو رمزياً في البلاد، مسؤولة، هي الأخرى بصمتها أحياناً، وبتواطئها أحياناً، وبمزايداتها في أحيان أخرى، وبالتالي فهي مطالبة بالمساعدة على توفير “المخارج” و”المسكنات” اللازمة للتكيف.
ولعل الضغط يجدي إن هو تركز على المحاسبة عما كان، بحيث تحد صلاحيات أو تكف يد بعض المخربين واللصوص والمرتشين ويخلع بعض العاجزين (والغائبين) ليمنع استمرار النزف.
أما المضاربون، ولاسيما الكبار منهم، فيبدو إنهم محصنون، بدليل إن أحداً لم يتهم أياً منهم بالاسم، ولم يطالب بمحاسبة أي منهم بالاسم.
بل لعل أطراف الحكم وبعض رموز الهيئات الشعبية يلتقون عند بعض هؤلاء الكبار، البعض يسمسر له في العقار، والبعض يغريه بالدولار، والكل يخرج من لدنه بما يسر خاطره.
المهم ألا تتسبب أية “مغامرة” في دفع البلاد، التي بالكاد وقفت على قدميها، إلى كارثة أفظع من كل ما تشكو منه حالياً.
المهم أن تستنفذ فكرة الدولة، وأن يتعاون الجميع لمنع “المؤامرة” من تحقيق هدفها الخطير: صدم “الجيش” بـ “الشارع”.
والمهم أن تعمل العقول لا الأقدام ولا قبضات البنادق ولا غرائز الطوائف والمذاهب والعياد بالله.

Exit mobile version