طلال سلمان

على الطريق حتى لا تكون اليمن صومالاً جديداً

لن يغفر التاريخ لأي مسؤول يمني يتسبب في ضرب الحلم الذي تحقق في لحظة قدرية فمكن شعب اليمن من أن يستعيد وحدته فوق أرضه.
كائنة ما كانت الذرائع والمبررات فإن الوحدة أهم من الجميع، بمن في ذلك الذين دخلوا التاريخ من بابه العريض لأنهم أسهموا في إقامة دولتها، حتى لو كان ذلك الإسهام اضطرارياً وتحت ضغط الإرادة الشعبية وتهالك “الحكم” في الشطرين وعجزه عن الإنجاز وعن تلبية الاحتياجات وعن مقاومة الأطماع السعودية خاصة ومشاريع الهيمنة الأجنبية عموماً.
لقد كاد الناس يغفرون لأهل الحكم في الشطرين أخطاءهم وخطاياهم العديدة، معتبرين أن إنجاز الوحدة يغطي ويعوض عما تقدم من ذنوبهم وما تأخر.
كادوا يغفرون لقيادات الحزب الاشتراكي في الجنوب اليمني إخفاقاتهم الذريعة، وهجانتهم بحيث كادوا يرطنون بالروسية وكادوا يخرجون من عروبتهم وعليها، ثم أتموا “أفضالهم” بمسلسل الصراعات الدموية على السلطة الهزيلة التي انتهت بمذبحة هائلة قل نظيرها في التاريخ..
فيوم اندفع هؤلاء في اتجاه الوحدة كانوا يلوذون بالمخرج الوحيد الذي يوفر لهم أن يمسحوا خطاياهم وأن يتطهروا من الدم المسفوح ومن التيه في بيداء الغربة عن الوطن والأمة، وأن يعلنوا التوبة فتقبل منهم بكرامة الوحدة ووهجها المقدس.
كذلك كاد الناس ينسون لنظام علي عبد الله صالح في صنعاء مباذل أهله والمناورات المتوالية والانحيازات القبلية وإعادة الاعتبار إلى بعض رموز التخلف والعصور الإمامية واللعب على التناقضات.
وقدّر الناس لعلي عبد الله صالح ذكاءه السياسي، وهو يقدم على مغامرة الوحدة مع “الشيوعيين” في الشطر الجنوبي، وافترضوا أن العصبية لليمن قد انتصرت على ما عداها، خصوصاً وإن التحرشات السعودية كانت مستمرة ثم تصاعدت وحدتها مع بشائر اكتشاف النفط في الأراضي اليمنية اليت جعلها التوسع السعودي شبه اليومي على حدود مملكة الذهب الأسود والصمت والأبيض.
طبعاً كان العرب عموماً يتابعون بعقولهم قبل قلوبهم هذه التجربة الوليدة التي جاءت في زمن الشقاء، وكانوا يرون فيها تجديداً لآمال كادت تندثر، وتنبها إلى مخاطر التجزئة والتفتت والذوبان أما في مشروع الهيمنة السعودية وأما في مشروع الذوبان بالمشروع السوفياتي، وأما في المغامرة البائسة لصدام حسين الذي كان يتنافس مع الأسرة المذهبة في محاولة شراء اليمن بشطريه،
وبدا في لحظة محددة، عشية النجاح في اكتشاف الحل السحري ممثلاً بالوحدة، إن الشطر الجنوبي يكاد يضيع في صفقة رخيصة مع السعودية، وإن الشطر الشمالي يكاد يضيع في غياهب أوهام العظمة لدى النظام العراقي…
اليوم يحتدم الصراع على قمة السلطة بين رموز النظامين القديمين في كل من صنعاء وعدن،
وتبدو السلطة وكأنها أهم في عيون أهلها من الوحدة،
لقد ظل كل من “الحاكمين” حاكماً : فالذين ظلوا في صنعاء توهموا أنهم سيمدون سيطرتهم إلى الشطر الجنوبي، والذين كانوا في عدن وجاءوا إلى العاصمة الجديدة جاءوا بعدة السلطة معهم على أمل أن يمدوا سلطانهم إلى الشطر الشمالي كله،
ظل الجيش جيشين، والأمن أمنين، والإدارة إدارتين،
بل لقد ظلت العاصمة عاصمتين، وإن لفقت تسمية مزيفة لعدن استرضاء لجنوبية الجنوبيين فجعلت عاصمة اقتصادية،
واعتمد أسلوب شراء الولاء للدولة الوليدة بالإغداق على كبار الموظفين، وهدرت ملايين الملايين لكي يكون لجماعة كل “حكم” مواقع متساوية في الرتبة والراتب والعدد مع الآخر.
أي أن أهل الحكمين كانوا المستفيدين الوحيدين مادياً من قيام دولة الوحدة، في حين تركت “المعنويات” للشعب في الشطرين ليعيش عليها في ظروف الفقر والعوز والحرمان الأبدي..
كانت الأيام تجري بأسرع مما تتم الاجراءات التوحيدية،
وبرغم الانتخابات والاستفتاءات والتعيينات والتشكيلات فقد كان كل من النظامين حريصاً على الاحتفاظ بعدته للانفصال جاهزة،
كان كل من النظامين يريد أن يدخل دولة الوحدة بكامل عدته وعديده، من الجيش إلى العقيدة إلى الارتباطات السياسية (السابقة؟!).
وها أن اليمن تقف على شفا جرف شديد الخطورة: فكل من “النظامين” متشكك في الآخر، متخوف منه ، وتشغله الريبة عن المهالك التي تنتظر الجميع،
فالانفصال، لو تم، لا سمح الله، سيكون حرباً أهليه مفتوحة لا تبقي ولا تذر، وقد تودي باليمن فتجعلها “صومالاً” جديداً،
ثم إن المستفيدين من الانفصال، هم الذين يروجون له يومياً الآن، ويوفرون السلاح لمن ينقصه السلاح والذرائع والتبريرات السياسية لمن يفقتدها، وما هذا الحرص السعودي على دولة الوحدة الإنفاق يغطي التآمر،
مع ذلك فما تزال الفرصة قائمة لاستنقاذ الوحدة ودولتها واليمن وشعبها،
والكل مطالب بوقف هذه الحرب المجنونة على السلطة والتي ستنتهي بتدمير الجميع: علي عبد الله صالح كما علي سالم البيض، وكبار الضباط ومشايخ العشائر في الشمال كما قيادات الحزب الاشتراكي في الجنوب.
أترى الغرض قد أعمى الجميع؟!
أتراهم سيخرجون من التاريخ قتلة وسفاحين وأقزاماً وقد دخلوه أبطالاً ميامين؟!
وأين الادعاء بأن “الحكمة يمانية”؟!

Exit mobile version