طلال سلمان

على الطريق جنوباً در وانتخب!

“لبنان رهينة بيدي”،
هذا ما قالته إسرائيل، أمس، و”بالعربية” عبر قرارها بمنع ناخبي “الشريط المحتل” من ممارسة حقهم الطبيعي في الاقتراع، وهو ما تقوله “بالإنكليزية” على طاولة المفاوضات مع الوفد اللبناني في واشنطن.
فهي هناك تقول إن الدولة اللبنانية، عبر حكمها المهيض الجناح، ليست سيدة قرارها على أرضها،
وهي هنا تقدم الدليل الملموس على صحة قولها، إذ تثبت إنها هي وحدها صاحبة القرار في ما خص مئات الألوف من اللبنانيين، ومعهم أرضهم في المحتل من الجنوب والبقاع الغربي: تعتقلهم إن شاءت، تقطع عنهم الهواء أن شاءت، تفرض عليهم الإقامة الجبرية ومنع التجول إن شاءت، تصادر نور الشمس وتفرض عليهم العتم الدائم إن شاءت!
على هذا لا يبقى ما تتفاوض حوله مع الحكومة اللبنانية “التي لا تملك قرارها”، إلا “الشؤون الإنسانية” المتعلقة بأهلنا في المناطق الخاضعة للاحتلال الإسرائيلي!!
والقرار الإسرائيلي يعطي للمعركة الانتخابية في الجنوب أبعاداً وطنية لم تكن لأي من الجولات السابقة في سائر المحافظات،
وابسط رد على هذا القرار أن يثبت الجنوبيون، مرة أخرى، حرصهم على الوحدة الوطنية أولاً، عبر صلابة تمسكهم بأرضهم كلها، وأن يثبتوا أيضاً روحهم الديموقراطية حتى وهم يتنافسون في معركة حامية لعلها الوحيدة بين مختلف الجولات الانتخابية.
فالجنوب أهم من “نوابه” العتيدين، كائنين من كانوا، وسلامته أهم بما لا يقاس من المكايدات و”النكايات” والحروب بين مرشحين تتناقص المسافات يومياً بين مواقفهم السياسية العامة، وتتحول تدريجياً من مستوى الشعار المبدئي إلى مستوى استعراض القوة الشخصية، وإن بقي التمايز في الماضي قائماً وغير منكور.
وبين شروط سلامة الجنوب أن يخوض اهله المعركة، على حدتها المفترضة، بأعلى درجة من الانضباط والروح الرياضية والابتعاد عن الاستفزاز وعن التحدي وصولاً إلى الشغب وأعمال العنف التي يسهل تمويهها (وتبيرها!!) بالتصدي للمؤامرة والمتآمرين ومكافحة عملاء الاحتلال الإسرائيلي.
وبالتأكيد فإن العديد من قوى “المعارضات” التي نادت بمقاطعة الانتخابات، تشعر الآن بحرج شديد وقد أعلنت إسرائيل تنسيب عميلها أنطوان لحد إلى قيادتها العليا واعتباره “الوكيل الحصري الوحيد” للقاءات بكركي.
ولعل البطريرك الماروني نصر الله بطرس صفير في طليعة هؤلاء المحرجين، لأنه لا يرضى لنفسه، قطعاً، أن يكون طرفاً في موقف تستفيد منه إسرائيل أو توظفه لحسابها، وتحت لافتة الدفاع عن الديموقراطية وعن العنفوان اللبناني ناهيك بالكرامة والسيادة والاستقلال الناجز،
لقد أثبت المواطن في الجنوب رقيه ومستواه المتحضر، بالأمس القريب، وعلى هامش المعركة الانتخابية، حين شارك في مهرجانات المرشحين المتنافسين، مسلماً كل طرف بحق الآخر في التعبير عن رأيه، معترفاً بوجوده مع استمراره في خوض الصراع ضده بالوسائل الديموقراطية،
وعلى أهمية هذا الموقف داخلياً، والصورة الممتازة التي يعطيها عن اللبنانيين دولياً، فإن له الآن وفي مواجهة العسف الإسرائيلي أهمية استثنائية تجعله “قضية وطنية”.
فالقرار الإسرائيلي القمعي يفضح “واحة الديموقراطية في الشرق الأوسط”، لكن الرد الجنوبي الواعي يعيد إلى لبنان صورة كادت تضمحل عن إيمانه بالديموقراطية وبأبسط حقوق الإنسان في التعبير عن رأيه.
كذلك فإن الكلمة الأخيرة حول هذه الانتخابات هي هذه التي سيقولها المواطن في الجنوب غداً، فإن جاءت المعركة نظيفة وعلى مستوى يتناسب مع ادعاءات الرقي والتحضر، كانت شهادة ليس للحكم المنظم لهذه الانتخابات بل لهذا الشعب الذي يعرف كيف يرد على تحدي الاحتلال، كما يعرف كيف يفرق بين الخصومات السياسية وصراعات الزعامات القديمة أو الجديدة أو المستحدثة، وبين العداء لمن يجب أن يتجه إليه العداء أولاً وأخيراً: الاحتلال الإسرائيلي.
فغداً وعلى أرض الجنوب تكتسب الانتخابات شرعيتها الشعبية، استكمالاً لما جرى في بيروت، وتتراجع الاعتراضات إلى هامش طبيعي ومقبول بحيث يمكن استدراكها وعلاجها، أو يقط مع الانتخابات منظموها والمشاركون فيها وكذلك المقاطعون، وتخلى الساحة للمنطق الإسرائيلي بترجمتيه “العربية” بلسان لحد أو “الإنكليزية” بلسان وفدها المفاوض على لا شيء، في واشنطن!؟

Exit mobile version