طلال سلمان

على الطريق جائزة نحشون للسلام!

سقطت جائزة نوبل للسلام هذا العام مضرجة بدمها على باب القدس، ملطخة بخطأ الاختيار المغرض وفضيحة التوظيف السياسي المكشوف.
ومن قبل كان قد سقط “صاحب التوقيع العربي الأول” على اتفاق صلح منفرد مع إسرائيل صريعاً في “أرض المعارض” بمدينة نصر، في ظاهر القاهرة، دون أن تفيد جائزة نوبل في تحصينه ضد رصاص الرافضين من شعبه لذلك السلام الأبتر.
كأنما لا تعني الجائزة للعرب إلا القتل والدم، في حين أنها تمنح لغيرهم كمكافأة على إنجاز السلام!
أو كأنه الدليل القاطع على أن اتفاقات الصلح المنفرد شيء آخر غير السلام، بل أنها أقرب لأن تكون نقيض السلام وطريق إدامة الصراع.
ومن حق الإسرائيلي أن يتباهى بجائزة نوبل للسلام: فهي تجيء توكيداً لانتصاراته وتعزيزاً لصورته كبطل الحروب المظفرة.
أما العربي المهزوم في الحرب فلن تعوضه جائزة نوبل سلاماً مستحيلاً، ولا هي ستنفع في رفع قدره في عين شعبه. وإذا كان ممكناً قبول العذر من المهزوم الباقي في ساحة الصراع طلباً لشرف المحاولة، على الأقل، فليس من عذر لمستسلم ولمفرط بالحق التاريخي في الأرض ومعه الأرض ذاتها.
ومن سوء طالع الجائزة أن تمنح للثنائي الإسرائيلي الحاكم (إسحق رابين وشيمون بيريز) بينما بنادق جيش الدفاع الإسرائيلي ما تزال تحصد – وبوتيرة يومية – فتية فلسطين الذين يؤكدون بدمائهم رفضهم الاحتلال والاتفاق الذي حصن الاحتلال أكثر مما فتح الباب للتحرير و”لسلطة وطنية” تمارس “قرارها الوطني المستقل” فوق أرضها المرشحة لأن تتحول إلى دولة – حلم، ذات يوم.
ومع أن منح عرفات الجائزة هو قرار سياسي متوقع ومدروس تماماً، فإن أوسلو التي تضيف الآن إلى إفضالها عليه جميلاً جديداً، لم تعد الإخراج المناسب لهذا الخبر السعيد،
لقد باغتت به “السيد الرئيس” فلم يتمكن من التخلص بالسرعة اللازمة من ثياب “شرطة مكافحة الشغب”
العودة إلى رداء بطل السلام وغصن الزيتون في ينماه.
وأي بطل للسلام هو الذي ناب عن جيش الاحتلال في مطاردة شعبه في الشوارع، واعتقال المعارضين والمعترضين ومقاومي الاحتلال وزجهم في السجون،
بل أي سلام هو هذا الذي أبقى غزة سجناً كبيراً لأهلها، مع تبديل اسم السجان فقط، للتخفف من العبء الأمني والأخلاقي برميه على “السلطة الوطنية”؟!
وأي سلامهو هذا الذي لا يعيش إلا في ظل التهديد الإسرائيلي المتكرر بإعادة “جيش الدفاع” إلى بعض المناطق في غزة، وهو لم يتنفس الصعداء إلا حين خرج منها بأقل خسائر ممكنة؟!
لقد أوقف عرفات حربه ضد إسرائيل منذ سنوات بعيدة، في حين لم توقف إسرائيل حربها ضد شعب فلسطين (وضد الأمة العربية جميعاً) يوماً واحداً، وهذا هو لبنان النازف يدفع ضريبة الدم على مدار الساعة، وتتهاوى بيوته على أهلها بصواريخ الطيران الإسرائيلي أو بقذائف المدفعية الإسرائيلية.
لكن إسرائيل لم تكتف بإعلان عرفات خروجه من الميدان، بل هي تريد تحويله إلى حارس حدود إضافي وغلى احتياط بل ربما إلى كتيبة متقدمة لجيشها وشرطتها، ينوب عنهم جميعاً في قمع روح التمرد الفلسطيني وضمان الأمن وهناءة العيش للإسرائيليين المتعبين.
إن عرفات يدفع اليوم، وبمفعول رجعي “كفارة” باهظة عن سنوات الكفاح المسلح والقول بالتحرير واتهام الصهيونية بالعنصرية وإسرائيل بالعدوانية والاستيطانية والتوسعية… وصولاً إلى نفط الخليج ومياه لبنان واليد العاملة العربية الرخيصة في المساحة المنداحة بين المحيط والخليج.
بل إنه بات منذ الدخول إلى غزة محاصراً باللعنتين: فلكي يبقى صاحب “سلطة” فلا بد أن ينال رضا الإسرائيلي بكم أفواه الفلسطينيين جميعاً، ولو بالاعتقال الجماعي، كما حصل خلال الأيام الثلاثة الماضية، ولكي يبقى “فلسطينياً” فلا بد من التصادم مع شروط “السلام” الإسرائيلي وفقدان السلطة.
إنه سلام نحشون،
وهو سلام قاتل كما تدل تجربة الأمس،
فالسلام الإسرائيلي ليس وقفاً للحرب بل هو تصعيد متواصل للحرب لإجبار الطرف الآخر على الخروج منها بالاستسلام من دون قيد أو شرط.
وهيبة إسرائيل لا تتوطد إلا بالدم، ولا بأس إن كان نحشون بين الضحايا.
ربما لهذا يمكن، في ضوء ما جرى عند باب القدس، اقتراح تبديل طفيف في اسم الجائزة بحيث يستحقها أبطالها، فتكون “جائزة نحشون للسلام… الأبدي”،
الآن، وفي وهج الدم المراق، يمكن التكهن باسم “العربي الثالث” الذي سيمنح جائزة نوبل (أو نحشون) للسلام في الأعوام المقبلة.
فالانشقاق كان أقصر الطرق أمام “المبدع الشيوعي” للحصول على جائزة نوبل.
والخارج على أهله وقضيته من العرب هو الأسرع في الوصول إلى الجائزة الممتازة، وربما أيضاً إلى حيث انتهى صاحب التوقيع الأول وحيث انتهى بعد سنوات الجندي نحشون!

Exit mobile version