طلال سلمان

على الطريق بيروت من فوق…

بيروت من فوق غير روما من فوق…
وذلك الذي غيره الموقع وسلطة الموقع عندما تسنمه هو غير هذا الآتي بطموح تغيير موقع السلطة كمدخل لتعزيز سلطة الموقع.
ذلك غيرته روما،
وهذا آت بإحساس بالقدرة على تغيير بيروت، أو فلنقل بالرغبة، إذا ما افترض البعض إن ثمة ادعاء أو مبالغة في الإحساس بالقدرة،
لكن السؤال الذي يطرح نفسه في ضوء الواقع القائم: هل ثمة “فوق” في بيروت؟! واستطراداً هل تختلف بيروت من فوق عن بيروت من تحت؟!
إن الدمار شامل، ولعله في السلطة أكثر وضوحاً منه في الأبنية والأسواق والشوارع والأحياء المشطورة.
إن العاصمة مبقورة البطن، معطلة القلب، ممزقة الجنبات والضواحي، وكذلك العديد من المدن والبلدات والقصبات والقرى على الساحل وفي “الجرد”،
لكن السلطة ليست أفضل حالاً،
وإعادة الإعمار مشروع يتعدى الوسط التجاري إلى الوسط السياسي، وإلى قلب دست الحكم،
لقد استمر اللبنانيون أحياء بسبب من حيويتهم الهائلة ومرونتهم وقدرتهم غير المحدودة على التكيف مع الظروف المختلفة، على تماثلها في القسوة والوحشية.
كذلك فإن الدولة استمرت “على قيد الحياة” بسبب من أنها لم تكن موجودة بشكل فعال من قبل،
لقد بقي اللبنانيون أحياء بإرادة الحياة أساساً،
وبقيت “دولتهم” بقوة القرار الدولي الذي اصطنعها أصلاً وأحيا عظامها وهي رميم من بعد، وها هو ينفخ فيها الآن فيبعث مؤسساتها الواحدة تلو الأخرى.
والحكومة الجديدة، بعد المجلس النيابي الجديد، يطمحان لأن يكونا بمثابة إعلان بقيامة “الجمهورية الثانية” التي لا يعرف الناس منها إلا اسمها والا ايماءات وملامح ونوايا واجتهادات في تفسير معنى مبهم هو بطبيعته حمال أوجه.
الآن على وجه الدقة تتم محاولة استكمال صورة الدولة، بطبعتها الجديدة،
ولسوف تعكس الحكومة الجديدة طبيعة العلاقة السائدة بين مؤسسات هذه الدولة، أكثر مما تم في الماضي قطعاً، وصولاً إلى ذلك الشعار غير المحدد: التوازن عبر الفصل بين السلطات، مع الحرص على الانسجام بين الرئاسات…
والوهج الذي يحيط الآن بشخص الرئيس المكلف سيخفت تدريجياً، وسيبلغ أضعف حالاته مع إعلان التشكيلة الجديدة، كائناً من كان الوزراء فيها،
فبين الحلم والوهم مسافة واسعة، أما بين الحلم والواقع فملايين من السنين الضوئية،
وحتى لحظة إعلان الأسماء ستظل الأحلام ترفرف في الجو، مع إدراك الناس إنها أحلام، لكن المراسيم ستنهي زمن الأحلام وتصدم الناس، كائنة ما كانت توقعاتهم، لأن الذي يريدونه فعلاً “ليس من هذا العالم”.
ما كان حجبه الوهج سيعود إلى الظهور والتأثير والتبديل والتعديل،
فالترحيب مقدمة للمطلب أو المطالب، وثمة تناسب بينهما: بمقدار ما يتزايد الترحيب تتضخم المطالب… الصغيرة.
والتنازلات الشكلية التي تفرضها المجاملات سرعان ما تتوارى خلف التنازع على “الصلاحيات” ثم تجيء حكاية “الحقوق” التي تبدأ بحكم الطوائف قثم تتدرج نزولاً بحجم الأشخاص لتعود فترتفع وتتورم بحكم الحقائب…
فالكرامة تتداخل مع الحقوق، مع أحجام الطوائف وأدوارها التاريخية وصولاً إلى الرجال الذين – وحدهم – يجسدون ذلك كله!
بعد ذلك يجيء دور الحكومة متكملة، ومن الممكن سلفاً القول إنها لا يمكن أن تحقق “التوازن” المطلوب لا بين المؤسسات ولا في الصلاحيات ولا بين الكتل و”الأقطاب”
إن كلا من الرؤساء سيطلب الأقصى،
ومن المفهوم إن المتضرر الأكبر سيكون الرئيس المكلف،
فالرئيسان الأول والثاني يخسران من الربح الفائت، أما الرئيس المكلف فيخسر من رصيده الشخصي مباشرة،
بيروت من فوق قد تكون أسوأ من بيروت من تحت،
وبالتأكيد فمن الأسهل على رفيق الحريري أن يسهم إسهاماً فعالاً في إعادة بيروت من تحت، بينما سيصعب عليه إلى حد التعذر أن يعيد بناء من فوق… خصوصاً إذا أوهمته قدراته الشخصية إن ذلك لا يتطلب غير ما يملك فعلاً من أرصدة مادية ومعنوية.
إنها الخطوة الأولى… على طريق الألف ميل؟!
ولكن ماذا عن الخطوة الثانية والثالثة والعاشرة وسط هذه الغابة المتشابكة من المصالح والأغراض والتناقضات،
ثم هل بات ممكناً الحديث عن رؤيا تحكم المسار وتصحح المسيرة وتلغي الوهم متقدمة نحو الحقيقة عبر الحلم؟!
هل لا بد من تغيير بيروت، أم يكفي تغيير الأشخاص؟!
وهل يملك شخص أن يبدل عالماً بأكمله، هدمته مجموعة من الحروب وابتنته – بصيغته الحاضرة – حروب أخرى ما زالت مستمرة حتى الساعة، وإن بأسلحة أخرى؟!
أعان الله رفيق الحريري وهو ينزل من الحلم المجنح إلى الأرض المفخخة بما خلفته الحروب في النفوس أولاً ثم في “الشارع”،
وليس مؤكداً أن دخول “الشارع” إلى البرلمان مما يسهل الحكم على الحاكمين!

Exit mobile version