طلال سلمان

على الطريق بانتظار الفجر الجديد…

كل عام وأنتم بخير، ولكن…
أهو عام جديد، فعلاً، هذا الذي أطل علينا عبر الرصاص والطراطير المزركشة وزمامير الفرحة المفتعلة، عند منتصف الليلة البارحة؟
“إن الملامح الأولى لسنة 1975 تنتمي إلى عالم قديم كنا نظن، في غمرة تطلعنا إلى مستقبل مختلف عن حاضرنا، إنه قد مضى وانقضى إلى غير رجعة، فإذا هو يطلع علينا من جديد معتذراً عن فترة تغيبه القسري تحت وطأة ظروف قاهرة..
وللوهلة الأولى يبدو الزمن الآتي كالحاً، أسود، رديئاً كما لم يكن أبداً، وبطاقة هويته تثبت انتسابه – شرعياً – إلى ليل الهزيمة التي اعترضنا، في لحظة، أنها طوت أعلامها وانسحبت من حاضرنا نهائياً بحرب رمضان المجيدة.
إن نظرة فاحصة على المتوقع، أو المفترض، أو المقدر حدوثه خلال الشهور (وربما الأسابيع) القليلة المقبلة، تكشف لنا جملة من المخاطر تتربص بأمتنا مستهدفة إعادتها إلى أسار القهر الاستعماري، وابرزها الآتية:
1 – هذه التهديدات بالغزو العسكري المباشر وقد عادت صرخاتها تعلو في سائر أرجاء المنطقة العربية.. ففي مياه الخليج “تتمخطر” حاملات الطائرات الأميركية على عينك يا زايد وراشد وعيسى وخليفة ومهدي التاجر!
وفي جنوب إيطاليا تحشد الفرق الأميركية (والأطلسية) لغزو الجمهورية العربية الليبية، إذا لزم الأمر!
… بينما الغزاة الإيرانيون يقاتلون فعلاً ضد شعبنا العربي في ظفار، وضد شعبنا العربي في العراق، ولعلهم يستخدمون في بعض عملياتهم جزرنا الثلاث التي غزوها قبلاً واحتلوها.
2 – سيادة النمط العتيق من التضامن العربي الرسمي، النمط القائم على مبدأ “اسندني فاسندك، وهكذا يبقى كلانا وترتد موجة التغيير الثورية على أصحابها”… و”مآثر” هذا النمط محفورة في ضمائرنا، فهو الذي أضاع فلسطين وضيع من عمر أمتنا سنيناً طوالاً في أوهام واضغاث أحلام بينها أن تنفع النخوة حيث توجب الثورة، وأن تقوم الشهامة مقام الانتفاضة، وأن يخلع الملوك تيجانهم ليرموها في زبالة التاريخ.. تدليلاً على تحررهم وإسلامهم الصحيح وعدائهم المكين للاستعمار.
3 – ولقد مكنت سيادة هذا النمط من التضامن العربي للمد الرجعي فتصاعد حتى بلغ ذرى كانت حركة الثورة العربية قد رفعت فوقها أعلام انتصارها في الخمسينات..
وها هم الملوك يساومون – باسم الأميركان ولحسابهم – مصر ليس فقط على دورها القيادي، وعلى زعامتها للحركة الثورية العربية، بل أيضاً على مستقبلها، ناهيك بالشهامة والكرامة ودماء أبطال العبور.
وها هم الملوك وشيوخ النفط يساومون، باسم الأميركان ولحسابها وحساب إسرائيل بالتالي، حركة المقاومة الفلسطينية على أمرين بسيطين: ثوريتها و… فلسطين!
4 – تبعثر قوى الثورة العربية وضياعها الذي تجاوز الحدود السياسية فشمل الفكر ذاته، فإذا البعض يصالح الرجعية باسم القومية، وإذا البعض الآخريقاتل القومية باسم الاشتراكية، أو يهلل للقطريات الجديدة التي تتنامى كالفطر، مخدوماً بأعلامها الحمراء، يحسبها ثورية بينما هي النقيض تماماً.
كل عام وأنتم بخير، ولكن…
وسط هذه الملامح السوداء للسنة الجديدة، تبرز جزر من الضياء والأمل، تشق قلب العتمة واعدة بفجر جديد.
فهنا وهناك، فوق الأرض العربية الواسعة، تنمو بعض الجيوب الثورية، ويتعاظم تأثيرها في المشرق والمغرب على السواء..
وبغض النظر عن الحتميات التاريخية، والانتصار الأكيد في النهاية لإرادات الشعوب، فإن المعطيات الموضوعية للواقع العربي تؤكد أمرين أساسيين:
الأول – استحالة القضاء على الجذوة الثورية متمثلة بقضية فلسطين، الأكبر من أعدائها جميعاً ومن المتعاملين بها كافة.
والثاني – استحالة انتصار الإقليمية والتجزئة والقطرية والكيانية وما يشق منها من أمراض، بدليل أن كلمة الوحدة قد هزت تونس بورقيبة من الأعماق.
إن الرجعية – مستعينة علينا وليس على العدو – بسلاح النفط الرهيب، تحاول إرجاعنا إلى ما قبل 1952،
والإمبريالية الأميركية – مستعينة علينا بالرجعية العربية ونفطها ومالها الكثير، إضافة إلى إسرائيل – تحاول أن تعيدنا إلى ما قبل 1915،
وأعظم ما في المعركة أن أطرافها جميعاً مكشوفون: الأميركان هم الأميركان بالاسم، والرجعية هي الرجعية بالاسم، وإسرائيل هي إسرائيل بالاسم، ولا مجال لأي التباس،
والمهمة الملحة التي تواجه القوى الثورية العربية الآن هي أن تلم شعثها وأن تنظم صفوفها، كرة أخرى، للنهوض بأعباء الثورة الشاملة،
ولن يتوفر مطلقاً من الحوافز لإكمال المسيرة الثورية أكثر مما هو متوفر اليوم،
وهذه أوسع بقعة ضوء وسط الملامح المكفهرة لسنة الحرب الخامسة التي أطلت علينا عبر الليلين: ليل الانتصار العسكري الناقص عام 1973، وليل التخبط السياسي المريع عام 1974.
كل عام وأنتم بخير،
مع التذكير بأننا نحن من يصنع الخير، فإن لم نصنعه فلا حق لنا بتوقعه أو بالإفادة منه.

Exit mobile version