طلال سلمان

على الطريق “الوحدة” الحرام… في الأرض الحرام!

ليس هو الحزن: إنها مرارة انكشاف الخديعة وإنهم قد استغفلوك وغشوك وسخروا من طيبتك البلهاء طوال عمر كامل.
فجأة، تقرر أن يزاح الستار، فإذا “العائلة السعيدة” تعيش حياتها الهانئة بعيداً عن كل المنغصات، كحديث الحرب والمقاطعة وأجواء العداء والقطيعة والحدود الدموية.
المفاوضات كذبة مدوية لخداع الآخرين ليس إلا. فالعلاقات على الأرض تتجاوز بمتانتها وحرارتها وطبيعتها كل برودة جلسات النقاش الممل في واشنطن، وكل ما أعلن أنه إنما أنجز في الأسابيع القليلة الماضية.
إنهما يعيشان حالة أبعد من الصلح وأعمق من “السلام”. إنهما في حالة “حدة” كاملة شاملة متجذرة في الأرض والسماء والمياه.
لا إسرائيل أعطت الولايات المتحدة من “الامتيازات” مثل ما أعطت العرش الصديق، ولا المليك الهاشمي أعطى أياً من “أشقائه” العرب، في أي يوم، مثل ما أعطى “رفاق السلاح” من أصدقائه القدامى الإسرائيليين.
لا كامب ديفيد السادات، ولا أوسلو عرفات، أعطى مثل ما أعطى الملك، ولا هو وفر الفرصة لأن تعطي إسرائيل مثل ما أعطته في ما يتعدى التطبيع والتكامل ليبلغ حدود “الوحدة الاندماجية”!
فوق آلاف الجثث عبروا إلى اللقاء العلني. بل ولقد جاؤوا ببعض الذين عزت عليهم الشهادة ليكونوا شهوداً. كأنما المعبر إلى المستقبل العبري إدانة الماضي العربي!
وفي أي حال فإن الشهود الشهداء كانوا أكثر عدداً وأعظم حضوراً من أولئك الذين ازدحموا في الأرض الحرام ليأتوا بالفعل الحرام، في المساحة الفاصلة بين شراسة واقع الاحتلال وحلم التحرير.
الملك هو الملك، هو البداية وهو النهاية. من أجله الحرب ومن أجله السلم، من أجله الحياة.
ليس عند الملوك إحساس بالزمن. إنهم الدائمون. هم الماضي والحاضر والمستقبل. هم الزمن. يغيرون ولا يتغيرون. يبدلون مواقفهم ولا يتبدلون. يقررون ولا يفسرون أو يشرحون.
العرش أهم من الرعية والأرض. هما الوسيلة وهو الغاية. لا بأس أن ذهبت الأرض، والرعية سهل تعويضها. أما العرش فإن ذهب فلن يعود. المهم أن يبقى ولو على كيلومتر مربع واحد وعلى قبيلة واحدة.
الملوك لا يلتفتون إلى الخلف. عيونهم مشدودة دائماً إلى الأمام. إلى ما بعد الغد، لذلك لا يتوقفون كثيراً عند “التفاصيل”. وعلى سبيل المثال، فإن هذا العرش الذي ولد بقرار بريطاني وعاش بحضانة أميركية ولضرورات أمنية إسرائيلية لا يجد أي غضاضة في أن يعلن نفسه رسمياً البوابة الإسرائيلية “الشرعية” إلى دنيا العرب، وإنه المعبر والجسر والمسوق والداعية المقنع خصوصاً، وهو المحصن باللقب الشريف الذي يعلو على الملك ويتقدم حامله الأباطرة جميعاً.
الملوك لا يهتمون بأسماء الأراضي التي يقيمون عروشهم فوقها. يعطونها أسماءهم. إذا ذهبت الحجاز فلا بأس بسوريا، وأن تعذر استقرار العرش فوق سوريا فلا بأس بالعراق، فإذا استحال البقاء في أرض الرافدين يمكن التواضع بالأحلام في حدود إمارة شرقي الأردن. وأن تذهب فلسطين لعرش آخر فهذا أمر ثانوي طالما بقي العرش الهاشمي على الضفة الأخرى، ولا يهم أن تكون المملكة محمية. لقد ولدت بالحماية الأجنبية، وبالحماية الأجنبية تعيش وتبقى، فإن زالت تلك لم تبق هذه إلا كسطور ميتة في كتب التاريخ.
أين تراه كان يخفي، وهو الملك، كل هذا الحب العميق لإسحق رابين وشيمون بيريز ووايزمان وباراك والآخرين، وكيف استطاع الصبر عقدين من الزمن أو يزيد حتى يشهره؟!
حتى الآداب الملكية أسقطت للمناسبة، أمس، فالملك المتيم له يستطع صبراً، فخلع السترة والربطة وخرج بالقميص مع أصدقاء العمر إلى النزهة البحرية باليخت الملكي في المياه التي كانت حدوداً مسيجة فباتت بركة للسباحة!
إنها أسرع “وحدة” في التاريخ: من المياه إلى الهاتف، من السياحة إلى المواصلات البرية والبحرية والجوية، من الكهرباء إلى المعابر… كل ذلك بغمضة عين.
إذا قال الملوك فعلوا…
والجديد في الأمر إننا عرفنا وشهدنا، أخيراً، الفيلم المخبوء عن العشق الملكي المعتق كما الخمر!
وشكراً للمخرج الأميركي أنه أتاح لنا أن نعرف ما كان ما يعرفه كل العالم إلا أصحاب العلاقة.

Exit mobile version