طلال سلمان

على الطريق المليارات القاتلة!

بعملية إحصاء بسيطة للمليارات التي روج المروجون أن مصر تلقتها فعلاً أو هي ستتلقاها، سواء على شكل قروض أو منح أو هبات أو مساعدات أو تقبرعات نقدية وعينية، يتبين أن مصر غدت أو هي في الطريق لأن تغدو واحدة من أغنى دول الأرض وليس فقط أغنى الدول العربية، النفطية منها وغير النفطية!
وبالاعتماد على الذاكرة وحدها، (ولا ضير في هذا باعتبار إن كل المليارات شفوية حتى هذه اللحظة)، يمكن إيراد الأرقام التالية:
ألفا مليون دولار “هدية” من الولايات المتحدة الأميركية، بلا مقابل ولا فوائد، فالفائدة ربا، والربا حرام، كما تعلمون!
ألفا مليون دولار من اليابان، على شكل قروض وتسهيلات ائتمانية كان فارسها الدكتور عبد القادر حاتم الذي “طار” مباشرة بعد عودته من طوكيو.
ألف مليون دولار مساعدة من إيران، فاز بها الدكتور عبد العزيز حجازي الذي يتحدث خبراء السياسة المصرية عن قرب خروجه من الحكومة “لأنه فشل في معالجة الوضع الاقتصادي المتردي”.
ألف ومائتا مليون دولار من السعودية، على حد ما أبلغ جماعة الملك فيصل لبعض وكالات الأنباء في القاهرة، تعظيماً من شأن الزيارة الملكية، والعهدة في هذا على الراوي… إذا بقي في منصبه بعد نشر النبأ! فمعروف أن سياسة الهبات في السعودية تقوم على قاعدة “لا تجعل يدك اليسرى تعرف ماذا أعطته يدك اليمنى”.
وألف مليون، أو أكثر؟، من إمارات الخليج، مقدمتها ذلك المبلغ الذي ذكره الشيخ سحيم حين قال لمن يعنيهم الأمر في القاهرة: “بويا يسلم عليكم ويقول أنا حننطيكم ماية مليون”.
هذا عدا المبالغ الآتية، ولا شك، من ألمانيا الغربية والتي لن تنقص بأي حال عن الألف مليون، باعتباره وحدة التعامل النقدية هذه الأيام.
وعدا مبلغ الألفي مليون دولار التي ستدفعها الولايات المتحدة عن طيب خاطر تعويضاً لمصر عن النفط الذي اغتصبته إسرائيل من حقول الزيت في سيناء.
مبلغ وحيد يمكن أن يستثني من هذه القائمة هو ذلك الذي وعد به العراق وقيمته ألف مليون دولار لسبب بسيط، إنه مرتبط بتحقيق مصلحة مشتركة للبلدين. فمن أصل هذا المبلغ سيدفع العراق 700 مليون دولار لإنشاء خط إنتاج جديد في مصنع “النصر” للسيارات لإنتاج ما يحتاجه العراق (وهذه صفقة مربحة له ومفيدة لمصر)، أما الثلاثماية مليون الباقية فسيدفعها على شكل مساهمة في مصفاة الإسكندرية مقابل أن يكرر فيها بعض نفطه الخام برسم التصدير إلى أوروبا الغربية (وهذه صفقة مربحة للطرفين أيضاً).
في أي حال، من يحكي بمثل هذا المبلغ الهزيل في زمن المليارات الآتية من خلف البحار تمجيداً لسياسة الانفتاح التي تشير إلى أن العرب قد استعادوا – إضافة إلى كرامتهم الجريح – وعيهم المفقود على حد تعبير الأستاذ توفيق الحكيم.
وإذا ما استبعدنا الحرب، وما حققته فيها بطولة الجندي العربي من نتائج عظيمة، كسبب من أسباب تدفق هذه المليارات، أو الحديث عن تدفقها على مصر، فإننا لن نجد غير أربعة أسباب لا خامس لها:
الأول – فصم عرى الصداقة التاريخية بين مصر والاتحاد السوفياتي،
الثاني – هذا الموقف المصري الجديد من المقاومة الفلسطينية كما جسده البيان المصري – الأردني المشترك؟
الثالث – هذا التدهور المخيف في علاقات مصر مع الجمهورية العربية الليبية وثورتها.
الرابع – هذه التحولات التي طرأت وتطرأ على مرتكزات السياسة المصرية الداخلية، أي الاجتماعية والاقتصادية، التي أرستها ثورة 23 يوليو وقائدها جمال عبد الناصر.
والأسباب الأربعة تتقاطع جميعاً عند عبد الناصر بوصفه رمز مصر الثورة.
وربما لهذا يثور في ذهن المواطن العربي سؤال ساذج مفاده: إذا كانت أميركا، والغرب عموماً، ستدفع فعلاً كل هذه المليارات لمحو أثر عبد الناصر فهذا معناه إن أرباحها من محوه تفوق بالتأكيد أضعاف ما ستدفع… واين بالتالي فائدة مصر والعرب؟
إما إذا كانت الوعود ستتبخر وستبقى المليارات مجرد أرقام شفوية يتشدق بها عملاء الغرب فإن المصيبة ستكون أفدح…
ومع هذا فما أكثر الراقصين فرحاً بحلول المصيبة القومية لأن لا حياة لهم، حقيقة، إلا إذا ماتت روح الأمة وكرامتها وكل الرموز المضيئة في تاريخها!

Exit mobile version