طلال سلمان

على الطريق المؤامرة مستمرة

حتى لو تجاوزنا النزعة النيرونية التي عبرت عنها “العمل” حين كتبت تقول إن الكتائب مستعدة لحرق لبنان… تعبيراً عن حبها له،
وحتى لو أسقطنا تحليلات هواة “التفسير البوليسي للتاريخ”، وما أكثرهم وأكثرها،
… تبقى مجموعة من الوقائع والأدلة المادية الملموسة والشواهد التي تقطع بأن ما يدبر للبنان وشعبه، وللمقاومة الفلسطينية في لبنان، أكبر وأخطر من التقديرات والاستنتاجات المستخلصة من الحوادث وحجم الأطراف التي نفذتها بالعمد أو بالتواطؤ أو بالتورط النابع من “الاضطرار” للمزايدة الطائفية.
أبرز هذه الوقائع وأهمها الكلام الذي نقل عن لسان هنري كيسنجرن والذي صور فيه لبنان “أردن 1970” متوقعاً (أو موحياً؟) أن تتصرف السلطة اللبنانية تصرف السلطة الأردنية (وأن تلعب الكتائب دور الشركس وجيش البدو)، وأن تتصرف الدول العربية المعنية، وبالتحديد سوريا كما تصرفت في “أيلول السبعين”، ومن جهة أخرى أن تتصرف إسرائيل بالطريقة التي تراها مناسبة مدعومة – مرة أخرى – بحماية أميركية كاملة.
وثاني هذه الوقائع المهمة إن الاتحاد السوفياتي كان يتوقع مثل هذا الموقف الأميركي، أو هذا ما تؤكده رسائله إلى الدول العربية التي اعتبرها صديقة ومعنية في الوقت ذاته، وهي رسائل تشير صراحة إلى احتمالات “التدخل الخارجي”، وإلى سابقة الانزال الأميركي في لبنان عام 1958، بالتحديد.
وثالث هذه الوقائع كلام الرئيس أنور السادات للتلفزيون اللبناني وقد أشار فيه إلى أنه كان يتوقع – بدوره – صداماً في لبنان يستهدف إضعاف لبنان والمقاومة معاً، ويخلق جو اقتتال أهلي..
ورابع هذه الوقائع المبادرة السورية البالغة الحرارة والإلحاح، والتي استدعت إيفاد اثنين من كبار المسؤولين من دمشق يمكثا في بيروت ثلاثة أيام بلياليها في مسعى متصل لوقف التدهر في الموقف، بأي ثمن وبأسرع وقت ممكن.
ثم تأتي الوقائع والشواهد المحلية، ومنها:
1 – التطور الذي طرأ على موقف رئيس الجمهورية والذي تبلور في لقائه الأخير مع السفراء العرب، حيث كانت لهجة الرئيس مختلفة وتقديراته مختلفة عن تلك التي اعتمدها في اللقاءين السابقين، كما إن تخوفه مما يدبر للبنان (وللمقاومة فيه) كان واضحاً هذه المرة وقد غاب عنه الانفعال بحوادث صغيرة انطلاقاً من تصور إنها البداية والنهاية، السبب والمسبب.
2 – إجماع السياسيين والمراقبين على الحديث عن “دور إسرائيلي” في الأحداث الدموية وعن “دور للأجانب” عموماً.
3 – عدم اتساق النتائج مع الأسباب، بمعنى إن ما أقدمت عليه الكتائب وما تسببت فيه على امتداد الخمسين يوماً الماضية لا يتناسب إطلاقاً مع الذرائع التي قدمتها كتبرير لتصرفاتها هذه. بل إن منطقها ذاته يكشف عن توقعها “لشيء خطير” فسرته مرة بأنه “انقلاب يساري” ومرة أخرى بأنه “مؤامرة ضد لبنان” لم يتنبه لها أحد غيرها ولم تتصد الدولة، بمؤسساتها المختلفة من مدنية وعسكرية، لإحباطها “فاضطرت” أن تتولى بنفسها التصدي والإحباط… أما من هو المتآمر، وكيف، وما هي الاثباتات والأدلة على التآمر، ولمصلحة من، وبالتنسيق مع من، وأين ومتى ولماذا، وغير ذلك من الأسئلة والتساؤلات فمعلقة بانتظار تفسير كتائبي غير التلويح بشبح الاجتياح الأحمر للبنان الأخضر!
إذن… هل انتهى كل شيء بتكليف رشيد كرامي، أو أنه سينتهي بنجاح رشيد كرامي في تشكيل الحكومة العتيدة؟
أم إن المؤامرة الأصلية، وليست تلك الأوهام التي تعشش في رأس قيادة الكتائبن قد جمد تنفيذها لأسباب طارئة؟
أم إن “أمراً ما” قد حدث في آخر لحظة فعطل تنفيذ المخطط بكامله، وتقرر بالتالي إرجاء “عملية بيروت” إلى موعد جديد؟
لا أحد يملك جواباً محدداً، لكن الجميع يملكون ما يؤكد المخاوف وبالتالي ضرورة اليقظة، والمزيد من اليقظة، لمواجهة الآتي وهو أصعب من الذي كان وأقسى وأمر،
… والكلام موجه إلى الكتائب أيضاً، علها – مرة أخرى وأخيرة – تنتبه إلى خطورة المدبر، وإلى خطورة مسلكها في تنفيذ هذا المدبر الذي تقول – هي أيضاً – إنها خائفة منه!

Exit mobile version