طلال سلمان

على الطريق القمة – الجامعة!

لم تكن جامعة الدول العربية “مؤسسة” دائماً، ولكنها كانت “ضرورة” باستمرار تستمد قوتها من رمزيتها المجسدة للإجماع أو للأكثرية المقررة التي يرتبط دورها وتأثيرها بحضور مصر أو غيابها، وإجمالاً بوزن هذه “الدولة” التي يسلم العرب جميعاً بأهليتا المبدئية لأن تكون مرجعيتهم في الحرب والسلم.
وبين مصر والجامعة علاقة جدلية فهي تستمد منها القوة اللازمة ليكتسب “القرار”شرعيته، فإذا ضعفت القاهرة أو تخلت عن دورها أو عجزت عن القيام بأعبائه تهاوت الجامعة وتناتشت الكيانيات الصغرى “مؤسساتها” المتخصصة فأسقطت عنها دورها التوحيدي، وحوّلتها إلى مجرد تكايا لبضعة موظفين لا يملكون منم أمرهم شيئاً ولا شأن لهم بالقرار، ويفتقدون إلى وهج الشرعية بل إلى مبرر الوظيفة ومرتبها الممتاز!
ولقد كانت لحظة الافتراق بين مصر وبين الجامعة نذيراً بكارثة عربية مخيفة ما زلنا نعيش آثارها المدمرة حتى الآن.
وصار الخطأ الأول خطيئة، وفي غياب العقاب الرادع، كان منطقياً أن يتزايد عدد الخطاة، وأن يضيع معنى “الصح” بينما أمواج “الغلط” تضرب أسوار الاحصون وتفتح فيها ثغرات ينفذ منها العدو إلى ثوابت اليقين فيهزها هزاً عنيفاً ليتلقى من بعد المتساقطين والمتهالكين فرداً فرداً ثم مجموعات مجموعات، والكل يستشهد بالقاهرة ويتلطى بخطيئتها التي سرعان ما صارت قدوة!
هل تملك الجامعة أن تقرر استعادة دور “المؤسسة” ومصدر القرار بالأكثرية مع استمرار تعذر الأجماع؟!
وهل هذه “الصحوة” المصرية التي جاءت كرد فعل طبيعي على المهانة والاذلال المتعمد والمنهجي وعلى افتقاد المكانة والدور، مرشحة لأن تتحوّل إلى منهج وإلى سياسة معتمدة في ظل الظروف التي تعيشها مصر، والاقتصادية منها على وجه الخصوص، وهي التي حدت من قدرتها على الثأر لكرامتها الوطنية بقدر ما أفقدتها المهابة وأغرت بها الكيانيات الصغيرة فأكلت من لحمها بلا رحمة وارتضت بها “مرتزقاً” رخيص الأجر وممنوعاً من الظهور بحجمه الطبيعي أو بكفاءاته الأصلية حتى لا يثير الحساسيات؟!
إن سوريا تستطيع أن تعطي الكثير في المجال المعنوي، وهذا مؤثر ولكنه غير كاف،
ولو أن السعودية ما تزال بعافيتها لاستطاعت أن تعطي ما هو كفيل بتحويل “المعنوي” إلى “قوة مادية” يستند إليها القرار السياسي المتوهج بإرادة التغيير والقدرة على إنجازه.
مع ذلك “فأن تصل متأخراً أفضل من ألا تجيء أبداً”،
وشرط انبعاث الجامعة أن تتحول القمة في الإسكندرية إلى “مؤسسة” فلا تكون مجرد “لقاء اضطراري” بين أطراف يواجهون ظروفاً صعبة تفرض على كل منهم طلب عون الآخرين ومد اليد بالمساعدة إليهم.
والعصر الذهبي للجامعة العربية، كمؤسسة، هو عصر القمة العربية كمؤسسة.
وإذا كان إسحاق رابين يقول بزهو “إن إسرائيل استطاعت أن تفتح العالم العربي”، وأن سنة 1994 شهدت ازدهاراً استثنائياً بعدما فتحت أمامها أبواب سبع دول عربية، فإن أولى مهمات هاتين المؤسستين – القمة والجامعة – أن تثبتا أن مفاتيح الوطن العربي ما تزال في أيادي أهله، وأن التسليم بوجود إسرائيل والخضوع لمقتضيات “السلام” معها، لا يفرض بشكل آلي أن يعترفوا بها باعتبارها “حكومتهم المركزية” و”الدولة” الوحيدة وسط قبائلهم المتناثرة في بيداء التخلف والعجز واليأس من الذات.
والأهم أن يعيد العرب جامعتهم إلى الحياة، قبل أن يصطنع لهم شيمون بيريز “حضانة” باسم “جامعة الشرق الأوسط.

Exit mobile version