طلال سلمان

على الطريق الفراغ لا الجنرال!

هل هي نهاية الماساة التي كادت تتحول إلى مهزلة “دولية”؟!
أي: هل تدارك مشروع قانون العفو المشروط الذي أقره مجلس الوزراء، أمس، الأخطاء الأخرى التي كانت سترتكب في علاج مسألة “العماد المتمرد” ميشال عون” فتضيف إلى التراث السياسي اللبناني الفريد المزيد من البدع والابتكارات والصرعات المجلببة بغلالة قانونية رقيقة لتكون اختراعاً فذاً لا سابقة له ولا مجال لتكراره؟!
هل انتهت “القضية” التي استولدها الفراع على مستوى القيادة السياسية وأبقاها حية ومتفاعلة استمرار هذا الفراغ بل الخواء الذي اتخذ أبعاده الخطيرة الكاملة بعد “إسقاط التمرد”، بدلاً من أن ينتهي بانتهائه؟!
هل اندثر الخوف من “الجنرال” ثم من شبحه الذي جسموه حتى كاد يملأ البلاد… ولو عبر الزمامير في نفق نهر الكلب، أو عبر الشعارات التي يفرضها ظلال الليل على جدران البيوت المهدمة بمدافع حروب الجنرال؟!
وهل كان “الجنرال” كبيراً إلى هذا الحد حقيقة، وهل ما زال “كبيراً” بحيث يستأهل استصدار قانون خاص، تستشار فيه الدول، وتجرى حوله مفاوضات وتكاد تنعقد من حوله المؤتمرات الإقليمية والكونية؟!
إن اللبنانيين يعيشون هموم حياتهم ويواصلون معاركة المشكلات الهائلة لما بعد دهر الحرب، ويمارسون معظم ما كانوا تعودوا ممارسته من مباذل: يقيمون الحفلات والمآدب والأفراح، يسرحون ويمرحون بعدما “انفتحت البلاد على بعضها” فيزور بعضهم مناطق لم يرها منذ سنين، ويتفقد المهجر منهم منزله المهدم أو الباقي بتصرف الغير، ثم يعود ليطفئ لوعته بتزكية عرق عرمرمية!
لقد مرت الأيام، وطويت صفحات كثيرة، وتبدلت أشياء مهمة، ودخل نادي الحكم بعض من كان محرماً عليه الدخول، إن في الوزارة الهائلة الأبعاد أو في المجلس النيابي الممدد – المجدد…
وكاد الناس، لولا خوف بعض أهل نادي الحكم من شبح الجنرال، ينسون ميشال عون، صار، في أحسن الحالات، واحداً من “الغائبين” الذين لا يعودون. صار “غودو” الذي لا يجيء، كما يقول أهل الثقافة، ويبقى منتظره منتظراً.
فهموم الناس اليومية أثقل وأكبر من أن تبقي مجالاً واسعاً لميشال عون أو لغيره من أمراء الحرب أو من المتسكعين على باب الزعامة المرتجلة في عصر السلم.
واللبنانيون يهربون من ضغط الهموم إلى شيء من العبثية، كعادتهم، يصرفون ما في الجيب ليأتي ما في الغيب، ويشتمون كل شيء وكل الآخرين، ويجدفون على العزة الالهية، ويرفضون “الحكي في السياسة” إلا من باب فش الخلق بإطلاق شحنة إضافية من الشتائم، أو من باب المكايدة والنكايات وإغاظة الخصوم!
ليس من كبير في لبنان، وليس من خطير، وليس من مثير إلا الفراغ، وإلا أعجوبة إن الناس يتأففون، يتذمرون، يتشكون، ثم يهربون على شعارهم الأثير: “بسيطة… بتدبر”!!
وليس ميشال عون الوحيد الذي “كان” كبيراً. ثمة عشرات من الميشالات عون سقطوا قبله وسقطوا معه وسقطوا بعده.
لكن الفراغ كان عظيماً وما زال عظيماًز
والمشكلة الحقيقية في هذا الخواء السياسي الذي يجعل الحكم فاقد الوزن، مثل رواد الفضاء الخارجي، يسبحون حيث لا ماء، ولا هواء، ويواصلون حياتهم حيث لا مجال للحياة.
ولا بد أن ينتصر الحكم على الفراغ ليصبح كبيراً.
ومن أسف أن العفو وحده لا يحل مشكلة الفراغ، وإن كان يمكن أن يشكل خطوة أولى في اتجاه الحل،
أما الباقي فيتصل بمعالجة الهموم المتراكمة على صدور اللبنانيين أن يشكل خطوة أولى في اتجاه الحل،
أما الباقي فيتصل بمعالجة الهموم المتراكمة على صدور اللبنانيين قبل الجنرال وبعده، والتي تستولد الأشباح جميعاً، وبينها شبح “الرهينة” الذي احتجز معه فرنسا وحوّلها إلى لاجئ سياسي في لبنان: ميشال عون!
أليس هو موسم إطلاق الرهائن والمحتجزين؟!
مع فارق أساسي: إن بعض أولئك دفعوا ليخرجوا، وهذا خرج تاركاً على اللبنانيين أن يدفعوا الفاتورة الثقيلة لحسابه المكلف!
ولكن، ولا يهمك، بسيطة، بتدبر!!

Exit mobile version