طلال سلمان

على الطريق العيد.. والهدايا!

مع الميلاد، فتحت إسرائيل كيسها ونثرت هداياها القاتلة…
ولقد وزعت “عطاياها” بالعدل والقسطاس، فلم تحرم ناحية أو جهة، بدءاً بمهد عيسى الناصري في بيت لحم، مروراً بمعظم أرجاء فلسطين، وصولاً إلى جبل عامل والبقاع الغربي في لبنان.
صواريخ، قنابل حارقة، عنقودية وفوسفورية، قذائف تنهمر مطراً من الطائرات والمروحيات والمدافع الثقيلة، ورصاص ينثر الموت بغير تمييز: لا فرق بين فلاح ودركي، بين عائلة بأطفالها وتلامذة المدارس، بين مدنيين وعسكريين… الكل “أهداف” جيدة وصحيحة، والمكافأة لمن أصاب أكثر!
جنود الاحتلال بعدة الحرب الكاملة يجوسون بأحذيتهم الثقيلة فوق التاريخ، يطاردون الأنبياء فيطردونهم ويفتشون ترانيم الصلاة وقلوب المصلين، ودباباتهم والمدرعات تطوق “المهد” حتى لا يجيء عيسى بن مريم ولا تكون كلمة الله.
والجيش الآخر، الأعظم وحشية، المستوطنون: يقتلعون البشر والمنازل والذكريات والأحداث وصور الأبناء والأحفاد، ويقطعون الأشجار وبينها تلك النخلة التي هزت إليها مريم جذعها “فساقطت عليها رطباً جنياً.
يرمون قذاراتهم في المذود، ويذبحون البقر والأغنام، ويشنقون الذين شدهم نور الهداية إلى العذراء التي “نفخ فيها من روحه” فكان من “تكلم في المهد صبياً، قال إني عبد الله، آتاني الكتاب وجعلني نبياً، وجعلني مباركاً، وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حياً وبراً بوالدتي، ولم يجعلني جباراً شقياً، والسلام عليّ يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حياً”.
لا بد من ضحايا، من مزيد من الضحايا. لا بد من الدم، مزيد من الدم، من أجل “السلام”. السلام نهم ويتغذى بلحوم المساكين والبسطاء الذين ينتظرون قدوم العيد، ولا عيد. لا تكفي مذبحة الأربعاء في الضاحية النوارة، حصن الأميرة بيروت وترسها والسيف. “السلام” بحاجة إلى مزيد من الثكالى واليتامى والأيامى والأرامل والمقطعة أوصالهم، ومزيد من البيوت البلا سطوح وبلا نوافذ وبلا سكان!
… وإسحق رابين يتنزه في الأرض اللبنانية التي ينكر أنه يحتلها ويرفض أن ينسحب منها، ثم يحاسب أهلها على رفضهم لاحتلاله ومطالبته بالانسحاب ومقاومتهم لمحاولات تزوير هويتها وبترها عن وطنها الأم.
من قلب جنوب لبنان يبلغنا إسحاق رابين أن “الوضع هناك ليس سهلاً”، بينما مروحياته تطارد بالصواريخ الأميركية التي لا تخطئ دورية لرجال الدرك، ممن يحاولون القيام بواجبهم تحت القصف، ويجتهدون في مساعدة مواطنيهم الذين تلتهمهم النار الإسرائيلية،
“السلام لجميعكم”،
“… وفي الأرض السلام”.
.. ورسول السلام منفي، مُطارد، ربما بتهمة “الإرهاب” أو بتهمة “الأصولية”، لأنه حمل السوط وطرد الفريسيين واللصوص والمنافقين من الهيكل.
ورسول السلام ممنوع من زيارة “مهده” كما هو ممنوع من زيارة درب جلجلته وكنيسة القيامة، والمؤمنون به يهربون من الاحتلال إلى صقيع المغتربات والمنافي البعيدة، طلباً للسلام بمعنى الأمان الشخصي طالما يبتعد السلام الحقيقي عن أرض السلام.
إنه “العيد”، برغم أنف الاحتلال.
فالأرض باقية، وأهلها فيها. وإذا سقط الآباء فالأبناء ممتدون كالجذور، كالشرايين، كالأعصاب، يربطون الماضي بالحاضر ويشدون إليهم المستقبل، ولو مطهراً بدمائهم.
ورجال الدرك هم، في نهاية المطاف، كما رجال الجيش، كما رجال المقاومة، مواطنون يطعمون وطنهم لحومهم ليبقى وليكون لهم العيد والهدية.
وكل عام وأنتهم بخير.

Exit mobile version