طلال سلمان

على الطريق العاجز منقذاً

يجب أن يكون المواطنون على قدر قياسي من البلاهة لكي يصدقوا أن رئيس حكومة 10 نيسان 1973 يمكن أن يكون منقذ لبنان وحكمه في 3 تشرين الأول 1974.
فأما لبنان فإنه ما زال حتى الساعة يعاني من الآثار المدمرة لفترة حكم صائب سلام.
أليس في ظل حكمه تم التراجع أمام جشع التجار وأخطبوط احتكاراتهم عن المرسوم 1943؟ أليس في ظل حكمه تمت مذبحة أسعار الدواء التي “استشهد” فيها الوزير الدكتور اميل بيطار ومعه الأكثرية الساحقة من اللبنانيين بوصفهم متوسطي الدخل أو محدودية؟
أليس في ظل حكمه أقيل وزير التربية هنري اده، و”استقيل” غيره لمجرد إنهم فكروا بإصلاح المناهج وحاولوا – مجرد محاولة – تعزيز المدرسة الرسمية وتخفيض الأقساط في المدارس الخاصة وتوحيد الكتاب المدرسي؟
ثم أليس في ظل حكمه تم التخلي عن المشروع الجدي الوحيد لتحصين لبنان في وجه الاعتداءات الإسرائيلية بشبكة من الدفاعات الجوية القومية تشمل طائرات الميراج المنكودة الحظ وصواريخ الكروتال البائسة والرادار الطيب الذكر… هذا إذا ما أسقطنا – سهواً – إن التخلي تم عبر حفلة تشهير مريعة بالجيش وبالدفاع الوطني وبالأشقاء العرب الذين تحلوا الجزء الأكبر من نفقات إقامة الشبكة، بكامل معداتها وتجهيزاتها التي انتهى الأمر بها إلى المزاد العنلي ولا من يشتري!
وأخيراً، أليس في ظل حكمه وسهره على أمن البلاد وسلامة أبنائها وقاطنيها تمت مذبحة فردان بأيدي عملاء إسرائيليين بعضهم كان في الداخل (وما زال؟) والبعض الآخر جاء بحراً، ثم انصرف أو اختفى الجميع بسلام آمنين، تاركين للحكم شرف التحدث عن مناقب الشهداء من القادة الفلسطينيين ومن المواطنين الذين ذهبوا ضحية “الحزم والعزم” و”التفهم والتفاهم” و”الثورة من فوق” و”لبنان واحد لبنانان” وغير ذلك من الشعارات السلامية التي تفح منها رائحة القرنفل؟!
وأما الحكم فإنه بسبب إنجازات حكومتيه السلاميتين تورط في محنة أيار الغنية عن التعريف، وفي الأزمة السياسية الكبرى التي لا يزال يعاني منها حتى الآن، والتي لا يجد كميل شمعون من حل سحري يقترحه لها غير تشكيل حكومة لون واحد وبرئاسة صائب سلام شخصياً!
كأنما لم يجرب كميل شمعون شخصياً حكم اللون الواحد، ولم يدفع لبنان – وما زال – ثمن مثل هذا الحكم، من دم أبنائه ومن استقراره ومن إمكانية تحوله من كيان إلى وطن حقيقي!
لقد رحلت حكومة تقي الدين الصلح – عملياً – لأنها لم تستطع حل المشاكل التي ورثتها عن عهد صائب سلام،
فماذا عدا مما بدأ حتى ينقلب سلام العاجز قبل سنة وبعض السنة إلى منقذ اليوم… وأين كانت قدرته على الإنجاز والإنقاذ حين كان في السلطة شريكاً كامل الحقوق، وليس مجرد باشكاتب أو شرابة خرج كما اتهم الذين سبقوه إلى رئاسة الحكومة أو جاؤوا إليها بعده.
ولا نظن إن الديمقراطية، التي يتذرع بها المطالبون بتكليف صائب سلام، تتناقض مع الحد من جشع التجار وتأمين الدواء لكل مريض والكتاب (والمقعد) لكل تلميذ، والأمن لكل مواطن ضد خطر العدو الإسرائيلي أولاً، وضد خطر الفتنة ثانياً، وهو الخطر الذي يلوح به الآن المنادون بحكومة اللون الواحد نكاية بلبنان واللبنانيين جميعاً، وليس فقط بكمال جنبلاط!

Exit mobile version