طلال سلمان

على الطريق العاجزون

ما أشبه “النظامين العرب” الذين اجتمعوا أمس في القاهرة لمناقشة الوضع في لبنان “بالنظاميين اللبنانيين” الدائخين في متاهة عجزهم عن مواجهة هذا الوضع بمعطياته الحقيقية، وبالتالي عن اقتراح حلول جدية للأزمة الخانقة التي تكاد تذهب بـ “سويسرا الشرق” ونموذجها الفريد!
لقد اعترف السادة الوزراء والوكلاء والمديرون والسفراء المجتمعون في القاهرة، صراحة، إنهم لا يملكون حلاً ولا مشروع حل لا “للقضية اللبنانية” ولا لقضية العلاقات اللبنانية – الفلسطينية. وكان هذا واضحاً حتى من قبل أن يجتمعوا. ومع هذا تكبدوا مشاق السفر ونفقاته واجتمعوا.
ومن قبل كان “زملاؤهم” وأقرانهم من أهل النظام اللبناني قد اعترفوا بالعجز، ثم اعتمدوه وأقروه سياسة رسمية تعكس تخلفهم وتحجرهم وغربتهم عن العصر وحقائق الحياة.
وهناك، مثلهم هنا، لم يفعلوا غير استخدام قضية العلاقة مع الفلسطينيين لتمييع طبيعة الأزمة في لبنان وتشويهها تماماً، ومن ثم استخدام التقويم المغلوط للأزمة كدليل عمل في معالجة العلاقة!
وهناك، مثلهم هنا، انتهوا عملياً إلى موقع الكتائب!
فعندما ينكشف عجز النظام عن حل مشاكله الداخلية، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، يتهم الفلسطينيين، ثم “يعتذر” بمشاكله الداخلية عن حسم العلاقة مع الفلسطينيين وتركيزها على أسس معقولة ومقبولة… وفي هذا يبقى كل شيء مفتوحاً للريح و”للأيادي الأجنبية العابثة” وللتخريب الإسرائيلي، وبالطبع لابتزاز الكتائب ومن يماثلها من الرابطات والرهبانيات والميليشيات الطائفية.
ولم يفعلوا في القاهرة غير إسباغ نوع من الشرعية على الابتزاز الكتائبي وتوسيع إطاره… قومياً!
بعد دهر من الصمت العربي، على الحرب الكتائبية الشرسة ضد كل من وما هو وطني وفلسطيني وعربي في لبنان (حتى لا ننسى الثلاثمائة شهيد من الرعايا العرب)، لا يجد الحكام العرب ما يقدمونه للبنان ولشعبه، ناهيك بالفلسطينيين غير اجتماع كسيح بمنطق ويزين المقولات الكتائبية ويبرر عجز النظام اللبناني بالعجز العربي العام!
إن اقتراح الدعوة لاجتماع وزراء الخارجية العرب، ونقل القضية من ثم إلى الجامعة، جاء يحقق مطلباً كتائبياً معلناً،
وتلبية الدعوة زكت التزوير الكتائبي والرسمي لطبيعة الأزمة في لبنان،
أما ثالثة الأثافي فتتجسد في العجز عن اتخاذ قرار أو اقتراح حل، و”اكتشاف” إن الأطراف الأصلية في النزاع ليست في فنادق القاهرة الفخمة بل هي في حزام البؤس الذي يحيط ببيروت إحاطة السوار بالمعصم!
وهكذا تستطيع الكتائب أن تخاطب جمهورها المعبأ بالحقد والكراهية والتأييد لمشروع التقسيم، وربما ما هو أسوأ ، بقولها: ها أنتم ترون بأنفسكم إنني صدقت في ما وعدت! أكدت لكم إن العرب لن يحركوا ساكناً في مواجهتنا، وها هم قد التزموا بالصمت دهراً ولم يذرفوا دمعة على الثلاثة آلاف قتيل الذين سقطوا في بيروت وضواحيها والمناطق الأخرى! وأكدت لكم إن العرب لن يحلوا لنا أزمة “الاحتلال الفلسطيني” وعلينا أن نحلها ببنادقنا، وها هم لا يفعلون غير مناشدتنا ضبط النفس تاركين لنا عبء القضية الفلسطينية برمتها!
… والطريق سالكة وآمنة، الآن، من الجامعة العربية إلى الأمم المتحدة، فالتدويل هو المطلب التالي بعد التعريب للوصول إلى التقسيم أو تكريس القبرصة وإكراه الآخرين على التعامل معها كواقع قائم!
وما يعجز اللبنانيون ثم العرب عن حله يحله المجتمع الدولي بأبوته الشرعية للكيان اللبناني ونظامه الفريد!
على إن نتائج اجتماع القاهرة تؤكد، بالمقابل، سلامة البديهية الأولى في أي صراع سياسي: فميزان القوى، في الداخل، هو العامل الحاسم في أي صراع.
ولن يتأثر هذا الميزان في لبنان، جوهرياً، بنتائج اجتماع القاهرة. ولكن السادة المسؤولين العرب كانوا بغنى عن هذه التظاهرة السمجة التي لا تؤكد شيئاً بقدر تأكيدها لفعالية فروع حزب الكتائب داخل معظم الأنظمة العربية.

Exit mobile version