طلال سلمان

على الطريق الصادق والكاذبون

على امتداد يومين طويلين كان هم أجهزة الأعلام الرسمي وشبه الرسمي تسفيه رئيس الجمهورية!
ولقد تكاتف لتنفيذ هذه المهمة إذاعة لبنان من بيروت والتلفزيون ومركز النشر والوكالة الوطنية للأنباء، إضافة إلى بعض المتطوعين من الصحفيين ، وإلى “الشباب” و”الأخوان” في الأجهزة الساهرة!
كلهم احتفلوا بعيد 17 آب بطريقة أقل ما يقال فيها إنها تسيء إلى صاحب العيد، وتكاد تحمل طابع التشهير به!
وعلى سبيل المثال، يمكن إيراد النماذج التالية:
كان الرئيس يشكو لكل من قابله انفلات حالة الأمن انفلاتاً لم تشهده البلاد في أي يوم مضى.
وكان المنتفعون بالعيد يتغنون ويحرضون الناس على التغني بالسكينة والهدوء والطمأنينة وراحة البال التي تظلل بجناحها مرقد العنزة…
وقد نال كل من “اقتنع” ما يعبر به عن اقتناعه بأعلى صوت في هدأة الليل!
كان الرئيس يجأر بالشكوى من فوضى الإدارة وفسادها المستشري،
وكان المنتفعون بالعيد يطاردون الناس بأحاديث ممجوجة عن منجزات هائلة لا يمكن تحقيقها إلا بإدارة رفيعة المستوى وعريقة التقاليد في الانضباط والدقة ويقظة الشعور الوطني.
ولقد قدم هؤلاء المنتفعون دليلاً مادياً ملموساً لكل من اهتدى فآمن، أما من غوى فضل السبيل فقد وعدوه بحساب عسير!
كان الرئيس يجاهرباستنكاره لتقصير الدولة الفاضح في مجال تأمين المياه للمواطن والمصطاف.
وكانت سماء المنتفعين بالعيد تمطر أكاذيب عن سعادة المواطن والمصطاف وعن تمتعهما بهواء لبنان العليل ومائه السلسبيل الذي يفيض عن حاجته فيلقيه في البحر زهواً وبطراً!
كان الرئيس يفضح جبن الحكومة حيال فارضي الخوة، ويؤنبها على تراخيها تجاه بعض من تدرعوا باسمه من أجل أن يسرقوا مال الشعب.
وكان المنتفعون بالعيد يحتسبون هذه السرقات وأمجاد فارضي الخوة بين منجزات العهد… أو ليست المجلدات والمقالات التي نشرت وأذيعت تزلفاً ونفاقاً، وبالثمن، سرقة هي الأخرى؟!
كان الرئيس يتحدث عن ألمه لأنه لم يستطع أن ينجز ما أراد إنجازه في الأربع سنوات المنصرمة من ولايته،
وكان المنتفعون بالعيد يحاولون تقديم أنفسهم للناسن بنشاطاتهم المنشورة والمذاعة والمتلفزة، الظاهرة والمستترة بظلمة الليل، على إنها الإنجاز الأعظم لعهد 17 آب!
وهكذا فرضت على المواطن ازدواجية من نوع جديد وفريد: فالدولة بكل أجهزتها و”جماعاتها” تكاد تهتف بالناس إن “لا تصدقوا رئيس الدولة”!
لكن المواطن الذي يعرف جيداً طينة الطبالين الزامرين الهتافين المنشدين لكل عهد، صدق الرئيس ولم يصدق حرفاً مما قالوه!
وكيف يصدقهم وصفحات الصحف تضيق بصور القتلى وأخبار الاختلاسات وتفاصيل الفضائح الرسمية؟!
على إن المواطن يطلب من الرئيس، مع الصدق، المبادرة بضرب آيات النفاق والكذب والاختلاس والارتكاب والخوة..
ويطلب منه الانتقال من موقع “المعارض” إلى موقع “المسؤول” ، وأول إشارات هذا الانتقال أن تتم تصفية هؤلاء المنتفعين بأعياد الرؤساء بينما الشعب كله في مأتم!

Exit mobile version