طلال سلمان

على الطريق السادات وبشير الجميل في واشنطن: أي حل “يدبّر” للبنان والمنطقة؟

… وعبر الأسئلة والتساؤلات، وإعادة ترتيب الأحداث وقراءتها مترابطة وبمنطق سياسي واع يتجنب الغرق في التفاصيل والجزئيات المضللة، يمكن الاقتراب من فهم ما يدبر لنا في لبنان، وللمنطقة العربية، في هذه الأيام بالذات، في واشنطن وعبرها.
*يوم الأربعاء في 29 تموز سافر بشير الجميل إلى الولايات المتحدة الأميركية تلبية لدعوة رسمية، قد تكون “سابقة” قل نظيرها في تاريخ العلاقات الدولية.
فالجهة الداعية “دولة عظمى”.
أما المدعو فلا يتمتع بأية صفة رسمية، وصفته الحزبية “عسكرية” وليست سياسية، فلا هو رئيس حزب الكتائب ولا نائب الرئيس ولا الأمين العام، و”القوات اللبنانية” المعقود له لواء قيادتها تنظيم عسكري “غير شرعي” بالمعنى القانوني للكلمة.
ووفقاً للأخبار الكتائبية فإن بشير الجميل سيعقد مباحثات مع كل من : نائب الرئيس الأميركي جورج بوش ووزير الخارجية الأميركي الجنرال ألكسندر هيغ، وموفد الرئيس الأميركي إلى الشرق الأوسط فيليب حبيب إضافة إلى كبار المسؤولين في الخارجية والكونغرس.
وبغض النظر عن الجانب البروتوكولي ، يظل مشروعاً أن تطرح مجموعة تساؤلات منها:
1 – لماذا تدعو واشنطن بشير الجميل، وهي قد ضنت بمثل هذه الدعوة على رئيس جمهورية لبنان؟
هل في هذه الدعوة تقوية للسلطة الشرعية، وهو الهدف الذي تدعي واشنطن إنها تسعى إلى تحقيقه في بلادنا؟1
وهل الدعوة للاستماع إلى وجهة نصر الفريق الذي يمثله بشير؟
إذن، لماذا لم توزع واشنطن الدعوات على الفرقاء الآخرين، هذا إذا كان ضرورياً (وإذا كان من حقها؟!) أن تستدعيهم لتسمع منهم هناك، مع أن لديها في بيروت سفارة كبرى ولديها إضافة إلى جهاز السفارة الكفؤ (في حدود مع نعرف) “مندوب سام” وصلت صلاحياته إلى حد “فرض” وقف لإطلاق النار على صقور إسرائيل بزعامة مناحم بيغن؟!
2 – وقتت واشنطن موعد الزيارة في أعقاب الاجتماع الرابع للجنة المتابعة العربية، وهو الاجتماع الذي استبقه بشير الجميل بإصدار بيانه الشهير “قطع العلاقة مع العدو الإسرائيلي” وكل ذلك كما هو معروف بناء لنصيحة ولهندسة المندوب السامي فيليب حبيب.
وأخذ بالاعتبار أن واشنطن لا تكافئ من يقطع علاقته بإسرائيل بل هي تدفع بجميع العرب وتضغط عليهم بكل دالتها ومكانتها من أجل الصلح (المنفرد أو الجماعي لا فرق) يبرز سؤال مشروع عن “سر التوقيت” وعن الثمن الموعود به بشير الجميل لقاء صنيعه المستغرب.
3 – … فإذا ما تذكرنا السعودية ودورها “المتميز” في إعادة الاعتبار عربياً، إلى حزب الكتائب، وبالتحديد إلى “القيادة العسكرية” بخشص بشير الجميل لاكتسبت الصورة بعداً آخر: فإعادة الاعتبار تتم عربياً ودولياً على حساب الأطراف الأخرى التي يخاصمها بشير الجميل سواء أكانت محلية أم عربية.
*اليوم الثلاثاء في 4 آب يصل الرئيس أنور السادات إلى واشنطن في زيارته الأولى للبيت الأبيض في العهد الريغاني.
وتشاء “المصادفات” أن تسبق الزيارة بعض الأحداث ذات الدلالة:
فمع سفر السادات تنفجر قنبلة على مدخل كنيسة السيدة العذارء بشبرا.
في محاولة لتجديد نار الفتنة الطائفية التي لا ترتفع ألسنة لهبها إلا كلما كادت أبصار شعبنا في مصر تتركز على قضيته الوطنية.
ويشاء ربك أن يفتح على القس الذي شهد الانفجار ولم يعرف مدبره أن يتهم فوراً جبهة الرفض العربية.
إذن فالفتنة تجيء من العرب والخير من واشنطن وتل أبيب.
وعشية سفر السادات ومع وجود بشير الجميل في الولايات المتحدة ضيفاً رسمياً على حكومتها تصدر تصريحات عن الجنرال ألكسندر هيغ يرسم فيها ملامح مدخل إلى حل للمسألة اللبنانية يرتكز إلى ثلاث نقاط:
الأولى – زيادة قوات الأمم المتحدة في لبنان لسد “الفجوات” الباقية.
الثانية – تقوية الحكومة اللبنانية المركزية اقتصادياً وعسكرياً (؟) وأمنياً (؟؟)
الثالثة – محاولة وقف تدفق الأسلحة الثقيلة إلى منظمة التحرير الفلسطينية من كل من سوريا والجماهيرية العربية الليبية والاتحاد السوفياتي. ومرة أخرى فالدمار يجيء لبنان أيضاً، من جبهة الرفض (أو الصمود) العربية ولا بأس من إضافة الاتحاد السوفياتي أما “السلام” فلا يجيء إلا من واشنطن وبينما بشير الجميل فيها.
أما السلاح الأميركي الذي أغارت وتغير به إسرائيل على لبنان فتقتل به من تقتل من شعبه ومن شعب فلسطين.
وأما السلاح الأميركي – الإسرائيلي الذي يسلم إلى “جيش” بشير الجميل.
أما هذا وغيره مما يضعف الحكومة المركزية ويجعلها أشبه بجمعية خيرية تجمع الصدقات للضحايا وتسهم في دفن الموتى فلا يشير إليه الجنرال هيغ.
*وقبيل وصول السدات إلى واشنطن يبادر مسؤول أميركي بارز فيصرح على الملأ بإمكان “أن تطرأ تغييرات جذرية على عملية كامب ديفيد من أجل التوصل إلى حل شامل في الشرق الأوسط”.
ويأتي هذا التصريح الذي يعتقد أن هيغ نفسه هو مطلقه في أعقاب لقاءات جانبية تمت في كانكون بالمكسيك على هامش حوار الطرشان الأميركي بين الشمال والجنوب.
ولقد التقى هيغ هناك بشكل خاص وزير خارجية السعودية ووزراء خارجية المثلث الأوروبي الغربي: بريطانيا وفرنسا وألمانيا الغربية أي فرسان ما كان يسمى ذات يوم “المبادرة الأوروبية”.
إذن “فالسلام” لا يأتي من أوروبا ولو عبر السعودية، بل يأتي من واشنطن ومن واشنطن فقط ومن ضمن تصورها لمستقبل المنطقة ومستقبل مصالحها فيها.
هل أفادت التساؤلات والأسئلة في إلقاء شيء من الضوء على هذا الغامض الآتي إلينا من واشنطن وليس إلا منها باعتباره الحل – الإنقاذ ونقطة الختام في مأساتنا الدامية؟!
الطريق واضحة: من بيروت إلى تل أبيب عبر فيليب حبيب (والسعودية) ومن تل أبيب إلى العواصم العربية جميعاً عبر فيليب حبيب (والسعودية) ومن واشنن إلى العرب جميعاً عبر السعودية.
من لا يستطيع أو لا يريد أن يتحدث مباشرة في أذن بيغن فليهمس في أذن ريغان (عبر) السعودية أو فيليب حبيب لا فرق فيأتيه الجواب فوراً.
ومن لا يستطيع أو لا يريد أن يتحدث إلى واشنطن مباشرة فليهمس في أذن الأمير السعودي فيسمعه في البيت الأبيض ويرى فيه رأيه.
وعبر القنوات الموصلة هذه تتحقق المعجزة المنشودة : يسود التضامن العربي بين الدول مجتمعة، وداخل كل دولة على حدة (لبنان، مصر، الخ..).
وملفت للنظر طبعاً أن تستقبل واشنطن بالترحاب وفي آن واحد أنور السادات الذي خرج على العرب جميعاً لكي يلتقي بالعدو الإسرائيلي وبشير الجميل الذي هداه الله – أخيراً – فأعلن “القطع” مع العدو الإسرائيلي ليعيد الوصل مع المحيط العربي.
فإذا كان الأول يستحق تكريم واشنطن لأنه حقق لها ما لم تكن تحلم به فما معنى تكريم الثاني الذي يبدو من ظاهر الأمر وكأنه “يخرب” على واشنطن خطتها للحل؟!
وكيف يكون الحل الأميركي العتيد شاملاً ما لم يكن فيه مكان محفوظ لأنور السادات وآخر لبشير الجميل ودائماً في ظل راية التضامن العربي؟!
وكيف يمكن أن يتسع مثل هذا الحل للآخرين يواء أسماهم السادات جبهة الرفض أو جبهة الصمود العربية، أم أسمتهم واشنطن جبهة الإرهاب الدولي؟!
(ملحوظة: مع وصول السادات إلى بريطانيا، في طريقه إلى واشنطن كانت لندن تعلن وفاة سجينين آخرين من مناضلي إيرلندا الشمالية، الذين أعلنوا صياماً حتى الموت احتجاجاً على إلحاق بلادهم القسري بعاصمة الحريات والديمقراطية الكلاسيكية في العالم الغربي!!).
أتراه حلاً هذا الآتي من واشنطن بعد أن نورها بشير الجميل بما قصر في إحاطتها به أنور السادات على امتداد السنوات السبع الماضيات؟!
فإذا كان مثل هذا الآتي هو الحل فكيف إذن تكون الحرب؟!
البعض يتصول أن الجوب يجيء كالعادة من الرياض وينتظر أن يسمع منها.
أما الأيام فقد علمتنا أن ننتظر الجواب من بيغن وأن يقوله بوضوح لا تنفع في التخفيف من مدته لا دبلوماسية فيليب حبيب ولا نعومة الأسلوب السعودي.
والانتظار هو هو، على أي حال.
فلننتظر مع “ملوك الانتظار من قادة الشرعية والحكومة المركزية موضوع اهتمام الكبار في عاصمة الدنيا: واشنطن، “العربية” جداً هذه الأيام.

Exit mobile version