طلال سلمان

على الطريق الدولة المدوّلة!

كلما نجح اليمين الانعزالي الطائفي في دفع الأزمة اللبنانية خطوة على طريق التدويل، رفع عقيرته – بمزيد من التشنج – في المطالبة “باستعادة السيادة المغتصبة” وبعث الدولة (وهيبتها) وتحقيق “السلطة الواحدة” في كل لبنان!
والمفارقات في موقف هذا اليمين الذي ينضوي تحت لوائه القصر والشماعنة والكتائب وحراس الأرز وعصابات الموت والمردة “ليمتد” ، أكثر من أن تحصى:
فالمبادرة الإيرانية في الدعوة لمؤتمر إسلامي يناقش الوضع في لبنان ويجترح له الحلول، لا تمس السيادة ولا تنتقصها، بينما مطالبة “الشريك المسلم” في الميثاق الوطني ببعض الإنصاف في الحقوق والواجبات أمر يمس الصيغة اللبنانية برمتها، التي فوقها وعلى أساسها قامت الدولة ذات السيادة!
والمبادرة الفرنسية تدعيم للسيادة ولوحدة الوطن أرضاً وشعباً.. في حين إن مصادرة باخرة سلاح “مهرب” في مرفأ جونيه أمر يهدد وحدة الوطن ويلغي دولته وهيبتها العظيمة، هذه الهيبة التي كلفت بعض رجال الدرك والجيش هناك أرواحهم وكراماتهم الشخصية!
هذا في الوقت الذي “يتفرج” أطراف اليمين الأشاوس – المسلحون حتى آذانهم – على الطائرات الحربية الإسرائيلية وهي تقصف مخيمات الفلسطينيين وبعض القرى اللبنانية الواقعة ضمن مرمى مدافعهم في الشمال، ويعلنون ذلك بلا خجل وبلا أي خوف على السيادة والهيبة والسلطة الواحدة!
وفي الوقت الذي لا تفعل الدولة، إياها، شيئاً لحماية الجنوب، شعباً وارضاً وتترك العدو الوطني والقومي يقتطع منها ما شاء متى شاء بغير حساب…
وفي الوقت الذي ثبت بالدليل الحسي الملموس إن الانعزاليين الطائفيين قد اختاروا المناطق المكتملة شروط السيادة والهيبة والسلطة الواحدة فيها (حسب منطقهم) ليوجهوا إليها أعنف الضربات وأشرسها وأكثرها هدراً لسلطة الدولة وهيبتها، بما هي ضمان لأمن المواطن ورزقه بل وحياته ذاتها. ففي حارة الغوارنة، كما في سبنيه ورويسات الجديدة أسقط الكتائبيون والشماعنة والحراس برصاصهم، أول ما أسقطوا، ما تبقى من الدولة وهيبتها ليكرسوا سلطتهم الواحدة!
هكذا تتحدد مهمة الدولة وفقاً لمفهوم المحور الطائفي إياه (القصر – شمعون – الجميل): ضرب اليسار والقوى الوطنية عموماً وحركة المقاومة الفلسطينية،
ولا يعود هدراً لسيادة الدولة أن يستعينوا باليمين الدولي (أي المعسكر الرأسمالي برؤوسه وأطرافه كإيران) لتحقيق أهدافهم،
ولا تدويل الأزمة يعود إلغاء للدولة وإعادة طرح لمصيرها كله على بساط البحث،
وبالمنطق ذاته فإن “احتلال” الزغرتاويين لبعض مناطق الشمال هو تكريس لهيبة الدولة، وتطهير بعض “الجيوب” في المتنين هو تأكيد للسلطة الواحدة!
وطبيعي أن تكون هذه “الدولة”، المكونة من جيش التحرير الزغرتاوي وميليشيات القبائل الكتائبية والشمعونية والرهبنات المارونية، معادية ليس فقط للوجود الفلسطيني بأشكاله كافة، بل أيضاً للمبادرات العربية (والسورية بالذات) لوقف الاقتتال، ومن باب أولى للحركة الوطنية بكل فصائلها بالمعتدلين فيها و”المتطرفين”.
وطبيعي أن تكون هذه “الدولة” تجسيماً على الطبيعة لمشروع التقسيم، وأن يصبح إسقاطها أحد الأهداف الرئيسية للقوى الوطنية في لبنان باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من حركة الثورة العربية، ومن حركة التقدم العربية.
بهذا المعنى فإن إسقاط إسرائيل الثانية هو الشرط البديهي لعودة الدولة اللبنانية بسيادتها وهيبتها كاملة،
وما تبقى من “ضوابط الأمن” فتفاصيل ليس أكثر،
من هنا المطالبة بقرار سياسي ملزم لقيادات القبائل إياها بقبول الدولة اللبنانية هذه التي حدودها الناقورة والنهر الكبير، كمدخل حقيقي ووحيد للإصلاح والمصالحة والعودة إلى الحياة الطبيعية.
وبانتظار صدور هذا القرار سيظل الوضع الراهن قائماً ينفرج في آخر الشهر لينفجر بعد القبض وهلمجرا!

Exit mobile version