طلال سلمان

على الطريق الحكم “الفقير” وشركاؤه الأغنياء!

مرة هي الحقيقة دائماً ولذا يعاند اللبنانيون، حتى اللحظة، في الاعتراف بأنهم لم يعودوا “أغنياء”، أو حتى “ميسورين”، يُحسبون – بغالبيتهم – على الطبقة المتوسطة بمستوياتها المختلفة.
إنهم يكتشفون، يوماً بعد يوم، إنهم صاروا إلى الفقر أقرب، والفقر في لبنان سبة ووصمة عار لا يرتضي أحدهم أن يوصم بها!
ثم إن الوقائع تدل على أن “البلد غني”، فكيف يمكن قبول المعادلة الصعبة: شعب فقير في بلد فاقع الغنى؟!
الآن فقط بدأ يفكر بالتدابير الاستثنائية ويلجأ إلى تشكيل لجان الطوارئ الاقتصادية ويساوم “الأغنياء” لاسترضاء “الفقراء” حتى إذا فشل في الأولى اندفع يتهم المحتجين أو المكتوين بنار بؤسهم بالضلوع في مؤامرة دولية على لبنان والدور السوري فيه.
… ولو صحت مثل هذه المؤامرة لكان “الأغنياء” هم أدواتها وهم نافخو الريح السموم وهم مهيجو الفقراء، وهم المحرضون ضد العلاقات المميزة مع سوريا، وهم المتورطون في عملية الضغط على لبنان من أجل القبول بالشروط الإسرائيلية في المفاوضات العقيمة.
و”الأغنياء” هؤلاء شركاء في السلطة، بل لعلهم يلعبون دوراً حاسماً في توجيه الحكم… وإلا فكيف يمكن تفسير السهولة التي تم بها تمرير مشروع الشركة العقارية لإعادة بناء الوسط التجاري، في حين يتعذر على الحكم مجتمعاً إقالة مدير مرتش أو سجن مضارب مقتدر، أو نقل حاجب من باب الرئيس إلى باب الوزير وبالعكس، مراعاة للحساسيات الطائفية والمذهبية؟!
وكيف نفسر أن يفقد مصرف لبنان ثلث احتياطه من العملات الصعبة في غضون بضعة أسابيع، لتثبيت سعر صرف الدولار بينما الحكم يمضي في زيادة الأعباء على هذا الاحتياط المتهاوي، من دون أن يتعرض أحد للمساءلة أو حتى للعتاب، ومن دون أن يتاح للناس أن يعرفوا حقيقة ما جرى ومن استفاد منه.. وفي الأقوال الرائجة أن مجموعات مالية معينة قد حركت، في موعد محدد بالدقة، أكثر من مائة وخمسين مليون دولار، كانت توظفها كسندات خزينة أو في مجالات أخرى مما فاقم من خطورة الأزمة، وأتاح “للأغنياء” المتربصين إياهم زيادة أرباحهم على حساب رغيف اللبنانيين.
لا قدرة على القرار، والعلاج يجيء، متأخراً وناقصاً ومرتجلاً ثم إنه بالمصادفة يخدم مصالح فئة قليلة ومعدودة، بينما “الشعب” يزداد فقراً ويجلس طيلة الليل مسمراً أمام التلفزيون يتفرج على الإعلانات المثيرة للبضائع الكمالية التي يشتهي ولا يستطيع شراءها.
إن الحكم يبحث عن قروش قليلة يزيد بها موارد الدولة، ويترك ملايين الدولارات بل ربما المليارات تضيع عليه وعلى شعبه لتستأثر بها حفنة من الذين اغتنوا بالتسلط ووضع اليد على أملاك الدولة إضافة إلى مرافقها، ناهيك باللصوص الكبار الذين سرقوا – علناً – ثروة البلاد الوطنية وهربوا بها إلى الخارج ليبدأوا النضال من أجل التحرير، تاركين للحكم أن يقدم إليهم صاغراً العفو عن جرائمهم جميعاً ما تقدم منها وما تأخر.
والسؤال: من يملك الجرأة على ضرب الحلف الجهنمي القائم بين الحكم القاصر (والمتواطئة بعض أطرافه) وبين هؤلاء الأغنياء القادرين والعارفين تماماً ماذا يريدون؟
وخارج هذا الإطار لا حل، وسيتكرس الواقع المرير القائم: شعب يزداد فقره يومياً بينما “بلاده” تحتسب في خانة الأغنياء الذين يملكونها الآن فعلياً، ويسجلونها بالتقسيط في “الطابو”.

Exit mobile version