طلال سلمان

على الطريق الإنسان هو الأصل..

عندما يختلف رجل الدين مع مراجعة الاكليريكية وتظهرموضوعات الخلاف على الناس، تخرج قضيته من إطارها الكهنوتي وتصبح قضية عامة من حق كل مواطن أن يقول رأيه فيها.
فالمختلف لا يعود “كاثوليكياً” أو “مارونياً” أو “سنياً” أو “شيعياً”، وإنما يصير صاحب وجهة نظر، وبهذه الصفة يتعامل معه المواطن سواء من موقع الاتفاق أم من موقع الاختلاف.
لذا لم يتحرج كثير من غير الكاثوليك من إبداء رأيهم في قضية المطران غريغوار حداد، لأنهم أحسوا أنهم أمام مسألة فكرية وسياسية (بالمعنى الشمولي للكلمة) واجتماعية عامة، وليسوا أمام مسألة لاهوتية تتعلق بالكثلكة وليس إلا بها.
وفي لبنان، على وجه الخصوص، وبالرغم من الحساسيات الطائفية التي تتاجر بها وتعيش عليها الزعامات، تكتسب قضايا الخلافات في داخل أي طائفية أبعاداً “وطنية”، بشكل ما، لأن الشراكة في وطن الطوائف الصغير تعطي الجميع حقوقاً متساوية في الاهتمام بشؤون بعضهم البعض الطائفية.
ذلك أن ثمة تضامناً، من نوع ما، بين المراجع الدينية لسائر الطوائف، في وجه محاولات التطوير المختلفة. وبالتأكيد فإن المجالس الملية الإسلامية لا تقل اهتماماً، وقلقاً (؟) في متابعتها لتطورات قضية المطران حداد من المراجع الكاثوليكية ذاتها.
وبالمقابل فإن أنصار التجديد والتطوير والحرية الفكرية، لأية طائفة انتموا، يعيشون فيها بينهم شعوراً بالزمالة والرفقة النضالية، وهم يخوضون كفاحهم الصعب من أجل غد أفضل للإنسان،
فالطموح مشترك، وهو يقوم على الربط بين الإيمان وبين قضايا الحياة الأساسية:
قضية الوطن وحقه في الاستقلال والانعتاق من تحكم الأجنبي وقدرته على مجابهة عدوه الإسرائيلي،
وقضية المواطن وحقه في حياة كريمة لا يستغله فيها مستغل ولا يستعبده رأسمالي ولا تتسلط عليه أجهزة قمع رسمية تعطي نفسها الكثير من حقوق الخالق على المخلوق.
وأخطرما في قضية المطران غريغوار حداد أنها تطرح، مجدداً، العلاقة بين الدين وقضايا الإنسان، ومرة أخرى يظهر الدين – عبر المؤسسات الكهنوتية – وكأنه نقيض التحرر الفكري والسياسي والاقتصادي والاجتماعي.
فالأسئلة المثارة، الآن، على هامش قضية غريغوار حداد أشمل من السينودس ومسؤولياته وسلامة تصرفه،
إنها تلك الأسئلة الصعبة ذاتها التي واجهت، على مر التاريخ، الشيوخ والكهنة والباباوات فاختارأكثرهم أن يهرب منها إلى الصمتن ولم تتصد للإجابة عليها إلا قلة تتحلى بشجاعة الرواد،
ومعظم هؤلاء الرواد أبطال في تاريخ الإنسانية و”خوارج” في تاريخ الكهنوت.
لكن الإنسان هو الأصل، في الماضي والحاضر والمستقبل، وما ينفعه يبقى في الأرض، أما ما لا ينفع الناس فيذهب جفاء.

Exit mobile version