للوهلة الأولى تلقينا الخبر وكأنه واحدة من مداعبات ذلك الرجل الذي كان مجرد وجوده في أي لقاء أو حفل أو مناسبة يشيع جواً من المرح تحت عنوان أن الحياة أن تعيشها لا أن تقصف عمرها بالتذمر والتشكي والتأفف.
ذلك أن عادل قانصوه كان «عالماً» قائماً بذاته. تهمل التواصل معه، أو يغيب عنك لفترة، فتنتبه إلى أنك تعاني نقصاً في إقبالك على الحياة أو الانخراط فيها والتغلب على مصاعبها ومآسيها. فإذا به يداهمك فينقلك إلى مناخ مختلف كلياً، وإذا النكتة حاضرة، وإذا اللطائف والطرائف تهزم التشكي و«الندبيات».
نجح كمحام فترك المحاماة إلى الكاتب بالعدل، ثم عاد محامياً، قبل أن يهجر المحاماة وبيروت جميعاً والأصدقاء وحتى العائلة، ليستقر في بلدته «الدوير» متابعاً دوي «الكسارة» التي اختارها مجالاً لنشاطه.
كان قريباً من السياسة حذرا من الانخراط فيها. ولقد كان آخر أنشطته «السياسية» انضمامه إلى وفد الرئيس الراحل عادل عسيران إلى مؤتمري جنيف ثم لوزان للحوار الوطني، حيث كان حبة العقد، يذهب إليه الأصدقاء ليسمعوا أخبار المؤتمرين بالكاريكاتور الذي يرسمه عادل قانصوه.
لم يمت عادل قانصوه. هو تعب فقط من ممارسة حياة لم توفر له ما يطلبه، برغم أنه كان ناجحاً في ميدان عمله، وكان حبة العقد بين مجموعة من الأصدقاء والصديقات حتى كاد يحولهم إلى حزب للمرح.
لقد قرر الرحيل، منذ زمن بعيد، فاعتكف في ضيعته «الدوير» ورمى هاتفه، ونسي عناوين أصدقائه، وقطع حتى مع أقرب الناس إليه.
في غيابه لن يحلو السهر، ولن يطيب لتلك المجموعة المختارة أن تتلاقى في ميدان النميمة التي كان فارسها المجلي.
عادل قانصوه أعلن موقفا من الحياة: لقد أغلق الباب دونها وارتاح إلى وحدته الأبدية… ولعله الآن يضحك من حزننا، فهو كان أمهر من حوَّل الحزن إلى مناسبة لاستعادة من غاب باستحضاره ضاحكاً، مبتهجاً «حتى لا نكرهه».
رحم الله هذا المحامي الذي قرر أن يخسر قضيته: الحياة!