طلال سلمان

طالبنان مصالحات مستحيلة بين حكمة مختلف

… ويأتيك من لبنان، يومياً وعلى مدار الساعة، كل مستطرف مستظرف، وكل عجيب غريب بما يفوق أي خيال وكل خيال!
لا الحرب الكونية، ولا المخاطر الداهمة التي تتهدد لبنان دولة وشعباً، أمناً واقتصاداً، مجتمعاً مدنياً ومقاومة، تشغل بال الحكم وأهله فتجعلهم يوقفون مهاتراتهم و»عركاتهم« التافهة الأسباب والخطيرة النتائج وينصرفون إلى مواجهة ما يتهددنا، وتحمل مسؤولياتهم التي من أجلها هم في مواقعهم الممتازة يسرحون ويمرحون ويسبحون ويسافرون ويصرّحون ويتعهدون ويعدون ولا يوفون، ويتصالحون ولا يصالحون، ويتصايحون ولا يختلفون إلى حد الافتراق فيبقون ويستبقون الناس في هذا الأتون من اللهو والمجون حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً!
لا حاجة للتذكير طبعاً بحراجة الوضع الذي يعيشه لبنان في ظل التهديدات الأميركية المتكررة وكأنها مقدمة موسيقية لفيلم الرعب الذي يرشحون لساحته بيروت وما حولها، والتي يراد منها زعزعة الوحدة الوطنية والاستقرار والرصيد المعنوي الممتاز لهذا الوطن الصغير ودوره العربي المطلوب دائماً والمفتقَد غالباً والمضيَّع بالقصد في أحيان كثيرة.
لكن هذا كله لم يمنع في لبنان »حرب الصيد« بين الرئاسات!
و»حرب الصيد« نشأت من خلاف عقائدي خطير بين المراجع: هل يسمح بالصيد استباقاً للقانون الجديد المعدّ والذي يفترض أن يعرض على مجلس النواب لإقراره قريباً، أم يستمر العمل بالقانون المطبق حالياً حتى إقرار الجديد، على أن يكون الوقت الفاصل بينهما »فترة سماح« لصيادي المطوق والسمان وعصافير التين والصلنج والشكُّح إلخ؟!
بسرعة مذهلة، وعبر جلسة واحدة لمجلس الوزراء غاب عنها رئيس الجمهورية وناب عنه أكثر من ناطق باسمه، تحول الأمر من صيد الطيور الى حفل تصيد واصطياد بين أهل الحكم، وعلى الطاير… إذ صار بعضهم »طرائد« للبعض الآخر، يكمنون لها أو ينصبون الأفخاخ، أو يموهون الشباك حتى تسقط فيها فيطلقون صيحات الظفر والابتهاج ويحيون الأفراح والليالي الملاح، تاركين لضحاياهم أن يحاولوا التبرير والتفسير والحديث المعاد عن »خيانة الشركاء« و»خديعة رفاق السلاح« التي تضرب وحدة الحكم فتدمرها وتجعل أي حديث عن التوافق والاتفاق والتفاهم والتصافي ولو بالتراضي أو بالتنازلات المشتركة مجرد »خرافات« أو »خدع« و»حيل سينمائية« لتمويه الحقائق وتغييب المساءلة نتيجة عدم القدرة على تحديد البادئ الذي هو أظلم، أو المظلوم الذي سرعان ما ينجح في التحول الى ظالم.. والله أعلم!
من قبل، وتقريبا في كل جلسة لمجلس الوزراء، كانت تجري حفلات صيد، أو محاولات تصيد، فإن فشلت في الداخل تم استدراكها في الخارج فصدر »موقفان« لا يلتقيان حتى قيام الساعة، وأحيانا ثلاثة مواقف وربما أربعة، خصوصا حين يتطوع الشراح لتفسير الخلاف الشكلي بين المواقف الجوهرية!
في تعيين عمداء الكليات في الجامعة اللبنانية كادت حفلات القنص وتصيد الأخطاء أو الأغراض وتبادل كشف الكمائن المموهة تارة »بالعدالة« الطائفية وأحيانا »بالإنصاف« المذهبي، تذهب بالحكم كله… ثم تم افتداؤه بالجامعة نفسها فسلم وضاعت، ولله الحمد!
وفي موضوع التعيينات في المواقع الادارية العليا تم اصطياد الكفاءة والاهلية والجدارة لاستنقاذ وحدة الحكم، فضاعت تلك جميعاً ولم نحقق الهدف المنشود فظل الحكم مشطوراً كمن اصابته قذيفة انشطارية!
وفي موضوع »الفائض« من الموظفين،
وفي موضوع تقارير صندوق النقد الدولي،
وفي الموقف من المقاومة وتوقيتاتها بالصحيح منها والخاطئ،
وفي مسألة الخلوي وكيف يستعاد المال المهدور أو الضائع، وكيف نكسب التحكيم ولا تكسب الشركات ما ليس من حقها في باب التعويض أو الترخيص،
وفي مسألة الخصخصة والقطاعات التي يمكن ان تتناولها من الكهرباء الى طيران الشرق الاوسط الى المياه الى الهاتف الثابت والخلوي،
وفي المسؤولية عن شح المطر وعدم هطول الثلج حتى الساعة،
وفي الأسفار ومن له الحق بالتحدث باسم الدولة في الخارج،
في كل أمر كان الحكم الموحد ظاهرياً ينقسم عملياً الى حد التعارض واصابة المؤسسات بالشلل والاساءة الى صورة البلاد وأهلها…
لكأن الحكم ائتلاف اضطراري بين »طالبان« و»تحالف الشمال« في افغانستان اللبنانية!
فليس بين اطراف الحكم في لبنان لا اتفاق ولا تحالف ولا ائتلاف؟. ولا هم جبهة متوافقة على قاعدة الحد الادنى!
ثم أن الطلاق او الافتراق بالحسنى متعذر الى حدود الاستحالة!
فما الحل والسيف الاميركي مسلط على رقاب البلاد والعباد يتهدد الحكم كله عبر تهديده الوطن في اقتصاده وفي استقراره وفي طليعة شعبه المجاهدة التي كان لها شرف إنجاز تحرير الأرض من الاحتلال الإسرائيلي؟!
إن التهديد الأميركي يتناول الدولة ومؤسساتها، والمصارف وعملياتها الطبيعية، والأمن الشخصي لكل مواطن، فضلاً عن تعرضه لخيارات لبنان السياسية وحياته الديموقراطية والنيابية، استطراداً، إذ لا يمكن أن ننسى أن ل»حزب الله« تسعة نواب في البرلمان، ثم أن الوحدة الوطنية قد تأكدت مرة أخرى عبر الالتفاف الشعبي الواسع من حوله باعتباره طليعة نضالية لهذا الوطن الصغير والمهدد دائماً بالاجتياح الإسرائيلي؟!
إن الظرف من الخطورة بحيث لم يعد يسمح بمصالحة الخمس ساعات أو الأربع وعشرين ساعة في أحسن الأحوال.
إن »الحرب« الأميركية الدولية تفرض ظلالها السوداء علينا ولا مجال للتهرب من مواجهات تبعاتها الثقيلة.
فهل ما زال ممكناً الإغراق في وهم المصالحة اليومية بين أطراف الحكم، وهي لا تخدم إطلاقاً لا في حماية هدف مقدس ولا في تطمين مواطن خائف على مصيره، فضلاً عن تأمين الاستقرار واستدراج الاستثمار واستقدام العرب الهاربين من الجنة الأميركية إلى ميدان المواجهة المفتوحة بين أطراف الحكم في طا…لبنان!

Exit mobile version