لم يتعب المحتل الاسرائيلي، ولم يبذل عرقه وجهده مع الحرص على أن يوفر قروشاً من اجره، لكي يبني كما الفلسطيني بجهده وبماله عمارة في ارضه التي كانت عبر التاريخ ارضه.. لهذا سهل عليه كمحتل، غاصب الارض، كاسر ارادة اهلها، أن يأتي بالجرافات تحرسها الدبابات والجنود المسلحون، ليهدموا العمارة الأولى، والثانية، والثالثة في بلدة صورباه، عند طرف القدس الشريف.. وليذهب اهلها، المالكون والمستأجرون إلى الجحيم.
“وادي الحمص” لم يكن في أي يوم، اسرائيلياً، مثل بلدة صورباه..
كان بامتداد التاريخ معروفا باسمه الفلسطيني وبهوية الفلسطينيين من أهله، الذين عمروا الارض، وصدوا الجيوش الغازية دفاعاً عنها، واقاموا من ابنائهم وبناتهم دروعاً لحماية كنيسة القيامة والمسجد الاقصى والمغارة في بيت لحم التي ولد فيها “المخلص” يسوع المسيح… الذي يفاخر اجداد الاسرائيليين الحاليين بأنهم قد عذبوه واذلوه ثم صلبوه، كما يقولون..
لم يهتم أي مسؤول عربي بهذا الذي جرى، مع اول ضوء، في بلدة صورباه الفلسطينية. اعتبر الامر “طبيعياً” و”عادياً” في سلوك المحتل المستوطن بالقوة، غاصب الارض والارادة… فكل الاهتمام العربي الرسمي يتركز الآن على “صفقة القرن” ومساعي جاريد كوشنر، صهر الرئيس الاعظم في الكون دونالد ترامب..
سيقول جمهور اليائسين من أنفسهم ومن تاريخهم، بالماضي منه والغد الآتي: وما ذنبنا نحن؟ أن العدو الاسرائيلي هو الاقوى، ومعه العالم اجمع، بغربه وشرقه، بعربه وبدوه.. فماذا نملك لصده؟
لا يحمي الارض الا أهلها.. ونحن جميعاً، في المشرق كما في المغرب، اهل فلسطين.
إما أن نقول لهم: اذهبوا انتم وربكم فقاتلوا.. فهي الخيانة معلنة!
لقد غاب الملك السعودي عن اجتماع المنامة التي عقد للترويج لـ”صفقة القرن” وتمثلت فيه بعض كوفيات الممالك والامارات والسلطنة، لكن هذا لا يعني المقاطعة او رفض “الصفقة” او السعي لإحباطها… لكن الخيانة تحتاج إلى الجرأة، والجرأة لا يملكها الا الرجال الرجال الذين يحفظون ارضهم ويقاتلون لحمايتها من الطامعين والغاصبين والمحتلين.
لقد أمكن لصلاح الدين الايوبي أن ينتصر على مناخات الهزيمة والخيبة في رد الصليبيين، والتي كانت قد سادت على امتداد مائتي سنة، وان يقاتل مع الرجال المؤمنين بأرضهم ومقدساتها حتى هزم الصليبيين في معركة حطين المجيدة التي وقعت في 4 تموز (يوليو) العام 1187 بالقرب من قرية المجاودة الواقعة بين الناصرة وطبريا، والتي اسفرت عن تحرير مملكة القدس ومعظم الاراضي التي احتلها الصليبيون، وهم الذين جاؤوا غزاة وقد تسلحوا بالصليب في محاولة لتغطية الاستعمار الاستيطاني لبعض اقطار المشرق العربي.
وصحيح أن الاستعمار الاستيطاني الجديد الذي يتخذ من اسطورة “ارض الميعاد” سلاحاً لاستعمار فلسطين واقامة دولة اسرائيل فيها، مفيداً من خيانة اصحاب العروش (الامير عبدالله الهاشمي الذي جعلته النكبة ملكا)، والضابط الذي نصب نفسه ماريشالاً (حسني الزعيم) ليحكم سوريا عبر انقلاب عسكري بالعسكر القليل بدلاً من أن يلتحق بجيشه حتى لو كان العدد والعتاد اعجز من أن يواجه العصابات الصهيونية التي اجتاحت فلسطين، بجنود دربتهم قوات الحلفاء خلال الحرب العالمية الثانية وسلحتهم بالطائرات والدبابات التي لا يملك مثلها العرب، لا سيما في مصر ـ حتى لا ننسى حكاية السلاح الفاسد الذي استولد ـ الكلمة ـ الشهادة التي نتداولها الان كنكتة والقائلة: “يا رب تيجي في عينه”.. لان هذا الجندي المصري كان يبعد البندقية عن عينيه حتى لا تقتله بدل أن تقتل عدوه الصهيوني.
ولمن يصدق الاساطير الصهيونية من أن اليهود انما عادوا بعد دهور من التشرد والمنافي ـ وهذه اكاذيب مطلقة ـ فان الأستاذ الكاتب والدارس المحترم الدكتور جورج صليبي في كتاب موثق بالأدلة اثبتت أن “التوراة” جاءت من شبه الجزيرة العربية… واعظم دليل على صدق هذه الرواية أن السلطات الملكية من احفاد “مسيلمة الكذاب”، السعودية، قد منعت هذا الكتاب وصادرت نسخه في المملكة وخارجها وان اليهود وفدوا إلى فلسطين في من وفد من اهل الجزيرة العربية واستوطنوا في اقطار المشرق.
إن “صفقة القرن” هي التتمة المنطقية لوعد بلفور الذي “اعطاه من لا يملك لمن لا يستحق” (1917).
وهي، في الوقت ذاته الحصيلة المتأخرة لمعاهدة سايكس ـ بيكو، بين المنتصرين في الحرب العالمية الاولى، وكانا وزيري الخارجية في كل من لندن وباريس، والتي تضمنت ما يوحي بالعمل الجاد لتنفيذ وعد بلفور عبر تقاسم المشرق العربي بحيث يتم اخضاع لبنان ـ بعد ضم الاقضية الاربعة إلى جبل لبنان لتكون الدولة التي نعرفها ـ وسوريا، بعد تقسيمها إلى اربع دول لكن شعبها رفض هذا التقسيم واصر على وحدة دولته التي اقتطع منها البريطانيون شرقي الاردن لتكون امارة لعبدالله ابن الشريف حسين “دولة” تحمي حدود فلسطين التي وضعت تحت الانتداب البريطاني (1920) لتكون الحاجز الحامي والحارس “الشريف” لحدود الدولة العتيدة، اسرائيل، التي ستمحو فلسطين عن الخريطة.
ها هو شعب فلسطين يقاتل باللحم الحي، بالحجر، بالعصي، وبما ملكت أيمانه من سلاح لكي يبقى في ارضه التي كانت دائماً أرضه..
ولن تنجح “صفقة القرن” مهما استسلم من حكام العرب، ملوكا وامراء وسلاطين ورؤساء..
ولسوف تفشل هذه الصفقة المهينة لهذه الامة مهما تواطؤ احفاد مسيلمة الكذاب وشركاؤهم في الخيانة وبيع الأوطان..
ولسوف ينتصر شعب فلسطين.. مهما طال الزمن!
والامة ولادة.. ولن تعيش إلى الابد في ظل الهزيمة!