طلال سلمان

صعاليك لبنان وشياطينه

نحن في لبنان، او في أي مكان آخر.

“العيش المشترك” مخضب. هو دائماُ على حافة الكراهية، وفي قلب الخوف: الخوف من الغلبة، التخوف من الخسارة، الشك بالشريك، الحذر من طعنة تأتي من الخلف، الاتهام بعظائم الامور، تبادل الخيانات، تداول الارتهان للخارج والاقامة في الركام.

حدث ذلك مراراً، من قبل تأسيس الكيان، ومن بعده حتى الآن… ما شذّ لبنان عن القاعدة: الحروب الدورية والاقامة في العنف، ويفوز الاسوأ دائماً.

ها هم عسكر الحروب اللبنانية في السلطة. ها هم وحدهم موجودون، بتمام القبضة الحديدية على الاعناق والارزاق، فيما الكيان رث، نظامه مخّلع، وشعبه مشبع بالهواجس، وينتظم في ملاجئ مسكونة بالتوجس المذهبي.

” العيش المشترك” رصيد لا ينضب لتقاسم السلطة والنفوذ، على أن تبقى الحواجز مانعة لأي تجربة وطنية، مدنية، ديموقراطية وانسانية، تساوي بين اناس احرار، بانتماءات اختيارية، لا قبلية، وبتطلعات تبتكر صيغاً لحياة لائقة وطيبة وسعيدة وراقية ومسؤولة، تتذوق جمال الحياة وموهبتها الرائعة في ابداع الجميل…”العيش المشترك” لا يمت إلى لبنان بصلة.

استقلّت الحياة عن السياسة في لبنان. هي حياة على حافة العبث وعلى ضفاف اليأس: إدراك عميق أن لا علاج لأي مشكلة. العجز هو العقيدة الفعلية. الكلام، هو التعبير عن الفشل. التكرار، هو ما تبقى من سخف الاقوال.

وفي لبنان ناس من صنف آخر. انهم يائسون ورائعون.

من قال أن اليأس هدام؟ هذا يأس جميل ونهائي، من السياسة والطوائف والقيادات. يأس دفع الانقياء إلى خيارات في الثقافة المبدعة وفي الفنون الجميلة وفي الشعر المباح والمسرح الجريء…انهم وحيدون، يخطون صورة لحياتهم، بما تيسر من فرح الاكتشاف… قطعوا كل صلاتهم بالسياسات الطائفية والمذهبية، وها هم يتذوقون ايامهم بما تنتجه اياديهم وعقولهم وقلوبهم من فكر وفن وإبداع. هؤلاء هم صعاليك لبنان الرائعون. لا يهتمون بما تقوله طغمة اهل الحكم والعجز. هؤلاء أيقنوا أن ما اكتشفوه او تعلموه عن الحرية والديموقراطية وحقوق الانسان والكرامة والنبل والمساواة وحق العمل والتمتع بالجهد المبذول، كل هذا، ينتمي إلى مشروع دولة فاضلة بحدود المشتهى. هم لبنانيون حقيقيون بمقدار ابتعادهم او طلاقهم مع لبنان السياسي-الطائفي. أجمل ما فيهم، انهم افراد مستقلون جداً، احرار جدا، ومرهفون جداً ازاء القضايا الوطنية والإنسانية. هؤلاء، لبنانيون، كأنهم ليسوا من لبنان.

“العيش المشترك” البنّاء، لم يعرفه اللبنانيون. كل يعيش في “غيتو” خاص به، يسمى “البيئة الحاضنة”. يرسم ” الغيتو” حدوده السياسية الخاصة على قياسه ويعكس ذلك على “الدولة”. ” الغيتو” يرتاح عندما يتمثل ممثلوه في السلطة والحكومة والمجالس والمؤسسات. أما ماذا يفعلون في السلطة، فليس ذا شأن. المهم الحفاظ على الحصة، بالتي هي أحسن نادراً، وبالتي هي اسوأ غالباً…” العيش المشترك” لبنانياً، يعني الفصل الطائفي العنصري، وتوزيع المؤسسات والإدارات على جماعة “الغيتوات”. الجامعة اللبنانية لم تعد لبنانية الا قليلاً. هي في المناطق السنية سنية وقس على ذلك، مارونيا وشيعياً الخ… التعيينات لإرضاء “الغيتوات”. حصلت تعيينات مؤخراً، ظنها أهل “الغيتو” انها اصلاح. عيب. هذا اقتسام فقط.

“العيش المشترك” يفصل. فلتعش كل جماعة مع وحدها اولاً، ثم ترسم طرقاً للعبور بين خطوط التماس الفاصلة، ليصار إلى عقد شراكة مربحة للأفرقاء، كل حسب وزنه وعدده وليس حسب كفاءاته… هو نوع من العيش في معازل، يتباهى اهلها بالفرادة. اسمعوا كلام المارونية والسنية والشيعية والدرزية.

لا يمت اللبنانيون، إلى صيغة العيش المشترك ابداً. الا في المناسبات الفارغة. تهنئة، زواج، تدشين، إلى آخره.

لا يبدو اننا سنصل إلى “العيش المشترك”. ما يزال التنوع الطائفي عصبي المزاج. والعصبية تقتل العقل، وتلغي الاوطان، وتقيم على انقاضها المعازل. دولة المعازل “المتحدة”، هي هذا اللبنان. انها من صنع الشياطين الطائفية.

Exit mobile version