طلال سلمان

سوريا فلسطينية قرار اميركي

لا يجوز الخطأ في قراءة الموقف الأميركي من المذبحة الإسرائيلية داخل الأرض الفلسطينية: إنه في منطلقه وفي مؤداه يهدف إلى خدمة إسرائيل وحكومتها الشارونية ولو بإنقاذها من نفسها.
إن »أمر الانسحاب« الذي أصدرته الإدارة الأميركية لقوات أرييل شارون من بعض أنحاء غزة، التي كانت قد أعادت احتلالها مؤخراً، إنما يدل على مدى الخطر الذي استشعرته هذه الإدارة على إسرائيل إذا ما واصل جنون القتل صياغته للسياسة في تل أبيب.
كذلك فإن أمر الانسحاب هذا جاء استباقاً أو محاولة لإجهاض تحرك غاضب كاد يهم به أقرب أصدقاء واشنطن العرب إليها وأكثرهم التزاماً باتفاقاته مع إسرائيل… فكيف بعرب الصمود والمواجهة الذين ردوا في قمة عمان على اكتساح التطرف الدموي سدة السلطة في إسرائيل بتجاوز »السلام كخيار استراتيجي« وبرفع التحفظ عن التعامل مع السلطة الفلسطينية بشخص ياسر عرفات، بل وبتوجيه الدعوة إليه لفتح صفحة جديدة من التعاون تكون في مستوى التحدي المفروض على الجميع، وبالتلاقي مجدداً في دمشق التي تظل فلسطين في قلبها وفي عقلها مهما تعاظمت الخلافات في الاجتهادات والتحفظات على هذا المسلك السياسي أو ذاك.
ليست الولايات المتحدة الأميركية شرطة النجدة أو »الشريف« الذي بادر إلى التدخل بالقوة لمنع المعتدي من قتل الضحية.
ولم يطرأ أي تعديل جوهري على الموقف الأميركي: فلا »الإنذار« هو ثمرة تحول سياسي يستحيل تصوره فضلاً عن غياب مبرراته المنطقية، ولا هو يتم بدافع من مشاعر إنسانية نبيلة لم يتعرّف إليها العرب في أي يوم في واشنطن، وإن كانوا عرفوا جيداً وأكثر مما يجب الوجوه المتعددة للأميركي البشع، في مختلف ديارهم.. وما أكثر التجارب وما أمرّ الدروس المستفادة!.
لم تتحرك في الإدارة الأميركية مشاعرها الإنسانية، فجأة، ولا هي انتبهت إلى أن إسرائيل قد تجاوزت كل حد »عسكري« في جرائمها الوحشية ضد النساء والاطفال والشيوخ، وإقدامها على دك مخيمات الصفيح بمدافع الدبابات وجرف الطرق وقطع الاشجار وتدمير المراكز الامنية للسلطة الفلسطينية التي كاد رجالها يُتهمون في وطنيتهم وهم يتحاشون الانضمام بسلاحهم الى ابنائهم في انتفاضة الاقصى.
ولعل التوقيت الدقيق لأمر الانسحاب يفسر بعض اغراضه، فهو قد جاء مباشرة بعدما عمدت اسرائيل شارون الى توسيع رقعة حربها لتشمل اضافة الى الفلسطينيين، لبنان والقوات السورية العاملة فيه.
ويبدو استنتاج الرئيس السوري الدكتور بشار الاسد دقيقاً تماماً وهو يؤكد ان »عمليات القتل والتدمير والقصف التي تتناقلها وسائل الإعلام الدولية تجري حصراً إما على اراض عربية محتلة او ضد دول عربية مجاورة، وتستهدف مواطنين عرباً فلسطينيين ولبنانيين وسوريين«.
طبيعي، إذاً، ان يكون القرار السوري فتح الباب وسيعاً امام اعادة تأسيس العلاقة الرسمية بين دمشق والسلطة الفلسطينية، على قاعدة موجبات المواجهة الحتمية (والمفروضة) اليوم وغداً، وليس في ظل المرارة المترسبة نتيجة التجارب السابقة والخلافات التي تجاوزت كل حد بحيث آذت القضية المشتركة والمقدسة للطرفين كما للعرب جميعاً.
ان هذا التطور النوعي في العلاقة بين دواعي امر الانسحاب الاميركي الذي لم يستطع شارون ان يرفضه، وان كان لم يتخل ولن يتخلى عن استخدام كل تفوقه العسكري في محاولة انهاء الانتفاضة والضغط على السلطة لعلها تتنكر لها، ولعلها تخرج من عروبتها وعليها طالبة الحماية الوحيدة المتاحة.. في واشنطن، فتغدو كالمستجير من الرمضاء بالنار، خصوصاً اذا ما ذهبت منفردة ومن خارج عروبتها.
اننا على ابواب مرحلة جديدة شديدة الخطورة.
ومن الواجب ان نسجل للرئيس السوري بشار الاسد انه قرأها بوضوح قبل غيره، ورفع صوته في قمة القاهرة محذراً، ثم تصرف في قمة عمان وما بعدها بما يدل على انه يستعد لموجبات المواجهة متجاوزاً العواطف الشخصية وذكريات أيام الماضي السوداء.
وليست الحرب خياراً محبباً، لكن الهروب من الميدان ليس حلاً، وليس على وجه الخصوص سلاماً.
ومن يطلب السلام حقاً فعليه ان يستعد للحرب وكأنها بدأت فعلا.. وهي قد بدأت منذ أمد بعيد، ولكن بعضنا لا يريد ان يرى فإن رأى لم يصدق، فإن صدق هرب إلى أوهامه فنام!

Exit mobile version