طلال سلمان

سمير فرنجية: غادرنا بقلقه..بلا وداع!

لم تكن مصادفة أن يغيب سمير فرنجيه في الذكرى الثالثة والاربعين لتفجر لبنان بالحرب الاهلية ـ العربية ـ الدولية في مثل هذه الايام من العام 1975… بل لكأن هذا المثقف القلق الذي ولد في بيت رئاسي في زغرتا التي لم تغادره وان هو غادرها قد عاش في قلب حلم لم يقدر له أن يتحقق، ولا ارتضى هو أن يسلم باستحالته.
سمير فرنجية الذي عاش حياة من القلق بحثاً عن يقين، جرب كل العقائد والتنظيمات السياسية، وتنقل بين اليسار والثورة الفلسطينية واليمين وصولاً إلى المشاركة في تأسيس العديد من تجمعاته وهيئاته قبل ابتداع “الجبهة اللبنانية” عبر “قرنة شهوان” ثم تجمع 14 آذار، من دون أن يقطع “حبل السرة” مع الرفاق القدامى.
ربما لهذا ظل الجميع يعتبرونه واحداً منهم: أهل اليسار وأهل اليمين، من “الجبهة اللبنانية” و”الحركة الوطنية”، فهو صديق الشيوعيين ونديم وليد جنبلاط، ومن قبل هو القريب من ياسر عرفات و”الحكيم” جورج حبش، ثم صديق رفيق الحريري ورفيق جوني عبده، الضيف المعزز في بكركي، وحامل ارفع وسام فرنسي..
سمير فرنجية هو نموذج للمثقف القلق الذي لا يستقر على يقين.
مع تفجير الحرب الاهلية في مثل هذه الايام من العام 1975 جاء إلى “السفير”، وباشر التعبير عن رأيه باللغة العربية التي لا يتقنها، ولكنه بعد فترة صار يناقشنا في قواعدها والتورية واسم الفاعل والمفعول به وقواعد كتابة الهمزة.
كان فكره اوضح من لغته، وكان حريصاً الا يقطع مع صديق، تنظيماً كان او شخصاً، لذلك عاش بلا خصوم حتى وهو يتنقل بين الاحزاب والتنظيمات والجبهات السياسية المختلفة: كان بطريركاً في بيروت، يسارياً في زغرتا، وطنياً في فرنسا، لبنانياً في دمشق، مارونياً في قرنة شهوان، تقدمياً في “الجبهة اللبنانية”، اشتراكياً مع رفيق الحريري، ومثقفاً في كل مكان، يمشي قلقاً ويناقش حائراً ويخترق الكتل والجبهات المختلفة وكأنه مؤسسها جميعاً.
لقد عاش سمير فرنجية حياته يبحث عن اليقين، وكلما افترض انه قد وجده فاجأ نفسه بأسئلة تهز يقينه وتجعله يبدأ رحلة البحث التي لم تنته الا مع رحيله وفي نفسه شيء من القلق لأنه لم يستقر على يقين.
ابن “الرئيس” الذي حال المرض المفاجئ بينه وبين الرئاسة فذهبت إلى أخيه الذي لم يكن يطلبها، عاش حياته في قلب الاستحالة فأتعب عائلته واصدقاءه وانهك نفسه، ثم رحل مبكراً تاركاً خلفه تلك الاسئلة التي لا يملك جوابها احد.
رحم الله هذا المفكر الذي كان يباشر الرحلة ثم يهجرها إلى رحلة أخرى.. بعد إثبات جدارته، فبدأ صحافياً فلما انفتحت امامه الطريق إلى أعلى قمة فيها هجرها إلى السياسة، فلما رحبت به الحركة الوطنية وافتتحت له فرعا خاصاً غادرها إلى المقاومة الفلسطينية، فلما تفجرت الحرب الاهلية ذهب إلى “الجبهة اللبنانية”، ولكنه لم يقطع صلته بماضيه.. فكان الماضي والحاضر والمستقبل، وربما لهذا لم يصل إلى أي مكان.
رحم الله هذا المفكر القلق المقلق الذي عاش حياته يبحث عن يقين فان وجده افترض أن لليقين يقيناً فانطلق يبحث عنه، حتى إذا أنهكه التعب غادر من دون وداع.

Exit mobile version