طلال سلمان

سلام عربي حرب اميركية

لا مجال للتمويه والتعويض عن حراجة الموقف بكلام المجاملات والحيل الدبلوماسية المألوفة: فالرئيس المصري حسني مبارك ومن بعده سائر القادة العرب الذين سيتوافدون على واشنطن للقاء الأول مع الإدارة الأميركية الجديدة بشخص رئيسها جورج و.بوش سيواجهون موقفا في غاية الصعوبة بل والقسوة.
ذلك أن الإدارة الجديدة قد حددت موقفها وأعلنت، من قبل أن يصل إليها أي منهم، ولعلها فعلت ذلك عمدا حتى لا يتبقى عند أحدهم وهم أو سوء تقدير أو التباس حول التطابق الكامل مع الموقف الإسرائيلي كما حدده وأعلنه رئيس الحكومة الجديد الجنرال السفاح أرييل شارون.
لا مساحة للشكوى ولا للتظلم: فقبل القمة في عمان وخلال انعقادها، بكل ما حفلت به من فضائح مصدرها العجز عن القرار، ثم بعد اختتامها وعودة القادة العرب من حيث أتوا، كانت المواقف الأميركية تتوالى مؤكدة تبنيها الحرفي لكل ما طلبه وطالب به أعتى جنرالات التعصب العنصري وبطل المجازر الإسرائيلية ضد مجموع العرب وليس الفلسطينيين فحسب، أرييل شارون.
لم يعد السلاح مطلباً، فإسرائيل من كبار مصدري الأسلحة (المتطورة) في العالم،
كذلك فلا مشكلة في المساعدات الاقتصادية، لا في كمّها ولا في نوعها، ولم تعد الحكومة الإسرائيلية بحاجة إلى تجنيد المناصرين والأصدقاء خارج الكونغرس أو داخل الإدارة. ذلك بات من الماضي.
الأمر الجديد والخطير، والذي يبدو مرشحا لأن يعتمد كسياسة ثابتة يتمثل في وحدة الموقف الإسرائيلي الأميركي من مختلف الشؤون العربية، بدءاً بالوضع في فلسطين المحتلة وصولاً إلى أوضاع البضعة عشر يهودياً في اليمن، مرورا بالجاسوس الموقوف في مصر عزام عزام، وجثة الطيار الإسرائيلي أرون أراد، التي تغطي مساحة لبنان وسوريا وإيران.. ويسخر لاكتشافها كل دهاقنة العالم بشرقه وغربه.
القرار إسرائيلي والحرب أميركية: في مجلس الأمن، كما على الأرض الفلسطينية (واللبنانية، والسورية..)، وداخل القمة العربية كما مع أي حكومة عربية.
الانتفاضة عمل عنف (وربما هي أقرب إلى الإرهاب)، تقوده السلطة الفلسطينية لأغراض تكتيكية وليست حركة اعتراض شعبي على الاحتلال والتمييز العنصري وإنكار الحقوق المشروعة بحدها الأدنى لملايين الناس في أرضهم وعلى أرضهم.
الطفل الفلسطيني المقتول في حضن أبيه الخائف والمداري نفسه خلف الحائط، إرهابي، أما قصف الناس وهدم بيوتهم عليهم واغتيالهم على الطرقات ومنع الخبز عنهم فهذه كلها من »أعمال السيادة« التي لا يجوز الاعتراض، مجرد الاعتراض عليها، ولا يجوز أن يشهد عليها »مراقبون« غير مسلحين يأتون باسم المجتمع الدولي، فضلاً عن أنه يُمنع على العرب في الخارج أن يرسلوا إلى أطفال فلسطين بعض الحليب وسيارات الإسعاف والدفاتر المدرسية.
* * *
يذهب بعض قادة العرب إلى واشنطن في طلب »السلام المستحيل«، ولو كان مهيناً، بينما يعود منها شارون قائدا معتمدا ومفوضا ومطلق اليد في شن الجولة الجديدة من الحرب التي احترفها طول عمره، وقاتل على مختلف جبهاتها العربية، وقتل خلالها من النساء والأطفال والمدنيين عموما أكثر مما قتل من العسكريين.
ليست واشنطن جورج و.بوش محايدة، بل وليست حريصة على تمويه انحيازها إلى إسرائيل أرييل شارون.
لا يملك العرب ما تخشاه، ولا هم يقدرون على الاعتراض، وهم لا بد سيخضعون للمطالب التي ستمليها عليهم لحليفها الوحيد في هذه المنطقة، القادر والمؤهل والجدير بحماية مصالحها… خصوصا وأنها في جانب أساسي منها مصالحه.
لقد أعلن شارون خطته وأهدافه صريحة إلى حد الإهانة، وباشر حربه ضد العرب مجتمعين في قمتهم، فكان الرد طلب شفاعة الأميركيين الذين وفروا له الحماية الدولية فضلا عن الدعم المباشر المفتوح سياسيا وعسكريا.
لا مجال للمقارنة بين قائد عربي يزور واشنطن، وبين أي رئيس لحكومة إسرائيل، بغض النظر عن هويته الحزبية، وعن سجله الإجرامي وسمعته كقاتل أطفال، يجيء واشنطن كمن ينتقل من غرفة النوم إلى صالة الاستقبال في بيته.
لا هدايا في السياسة ولا تبرعات في المصالح.
من يطلب لنفسه لا يأخذ لوطنه، ومن يطلب الحماية لنظامه لا ضرورة لأن تطلب منه واشنطن الضمانات لحماية إسرائيل.
وإذا كانت القمم العربية تعقد بدافع الخوف من الانتفاضة الفلسطينية وتجعل همها محاصرتها واحتواء تأثيراتها على العرب خارج فلسطين، فلماذا »ستخاف« واشنطن من هؤلاء القادة المتوافدين إليها وفي نفوسهم شيء من الرعب المزدوج: من اتساع رقعة الاعتراض حتى تدق عليهم أبواب قصورهم، كما من التأديب الإسرائيلي المتوقع؟!
لو أن القمة كانت قمة التلاقي العربي فعلاً ولو على الحد الأدنى لجاء جورج و.بوش إلى القاهرة وعمان والرياض الخ بنفسه، ولكان أرييل شارون قد قصد سباحة إلى شرم الشيخ لاستئناف المفاوضات مع القيادة الفلسطينية »من حيث توقفت«.
أما والحال هي الحال فلا جورج بوش سيهتم بأن يظهر عدم انحيازه، ولا أرييل شارون سيهتم بأن يمسح عن نفسه صورة السفاح، بل لعله سيؤكدها طالما أنها تخيف العرب إلى هذا الحد.
وإذا كان العرب لا يتعبون من تكرار الإعلان عن أنهم خلعوا ثياب الحرب وأحرقوها، وأنهم »تابوا« عن مواجهة إسرائيل، فمن الطبيعي أن يطلب منهم الأميركي أن يثبتوا ذلك بذبح الانتفاضة الفلسطينية واجتثاث آخر من ما زالت روحه في المقاومة وإلا وضعهم على قائمة الدول الراعية للإرهاب!
والحرب الجديدة: أميركية إسرائيلية،
فهل من منازل؟!

Exit mobile version