طلال سلمان

سلاح نووي منقذا

قد يذكر التاريخ، ذات يوم، ان »السلاح النووي« هو الذي أنقذ جامعة الدول العربية من موت شبه محقق، وأنه أعاد إليها شبابها بينما هي تعاني من أمراض الشيخوخة مجتمعة ولما تبلغ الخمسين!
فالموقف الموحد الذي اتخذه مجلس الجامعة، أمس، بعد دهر من الفرقة والتباعد والتباغض والتقاتل بين الحكام العرب، جاء خارقù كالمعجزة، وكاشفù لعناصر القوة إذا ما اجتمعت عليها »الدول« التي اغتربت طويلاً عن هويتها وعن مصالحها الحقيقية وسلمت مصائرها للأجنبي عمومù ولعدوها القومي، إسرائيل، في حالات موصوفة وجارحة في انحرافها.
هذا لا يعني ان المواطن العربي سيصدق، ببساطة، ما سمعته أذناه أو ما قرأه حول »وحدة الموقف« من الموضوع الأخطر المطروح الآن، أي من معاهدة الحد من انتشار السلاح النووي، واشتراط أن تلتزم إسرائيل مسبقù لكي يلتزم العرب فيوقعوا.
لكن هذا الموقف كان كافيù لاستنقاذ المناسبة وتحويلها من »حفل تأبين« إلى ما يشبه الاحتفال بعيد ميلاد جديد لهذه المؤسسة اليتيمة المستندة الى وصايا إلهية هجرها المعنيون بها، كمثل »واعتصموا بحبل ا” جميعù ولا تفرقوا« لكي تعودوا إلى ما كنتم: »خير أمة أخرجت للناس«.
هل هي »الصحوة« تستولدها الضرورة ويفرضها الاحتياج والخوف من مستقبل التيه والعجز عن المحافظة على النوع؟!
هل هي الخيبات المريرة المتأتية من سقوط المراهنات البائسة على العدو »نكاية« بالشقيق وبذريعة درء مخاطر الضم والفرض والاحتواء وصولاً الى دفع الخطر الأعظم: الوحدة أو الاتحاد؟!
أم أنه تفاقم الاحساس بالتهافت والتلاشي أمام »الصحوة« الأخرى ذات الطابع الشعبي والتي تتمثل في نمو التيارات والحركات »المتطرفة« والتي تندرج بمجملها (سلفية وأصولية ونهضوية) تحت لواء الشعار ذي الوهج: »الإسلام هو الحل«؟!
في أي حال، فإن المبرّر المعلن هو الهاجس الأمني (بإطاره القومي) انطلاقù من مقولة لخصها الرئيس المصري (المضيف) حسني مبارك بكلمات محددة »الأمن هو الضمان الأول لوجود الأمة«.
من قبل كانت مطامع إسرائيل التوسعية، وتفوقها العسكري، وإمكانات التقدم التكنولوجي المذهلة المتاحة أمامها (مجانù)، هي مصادر الهواجس الأمنية العربية،
اليوم، وبعد غفلة طالت أكثر من اللازم، ينتبه العرب الى أن تلك المخاطر قد اكتسبت أبعادù تدميرية شاملة بامتلاك إسرائيل القدرة على إنتاج السلاح النووي، وإصرارها على الاستمرار في إنتاجه، برغم أن مخزونها من الرؤوس النووية يقدّر بين 150 إلى 200 رأس.. أي ما يكفي لتدمير العالم كله وليس »أعداءها« العرب بكل ملايينهم فحسب.
اليوم، وبعد أن تفاقم التورط والانجراف وراء أوهام الصلح المنفرد وسراب »التحالف« مع العدو، و»هبل« الفرحة بالاكتشاف السحري العظيم: »الشرق الأوسط الجديد«، تلتمع في الأفق ومضة أمل بأن يكون العرب قد تنبهوا الى أن تلك بالضبط هي أقصر طريق إلى الاندثار، وليس فقط إلى افتقاد الدور والمكانة والقدرة على الإنجاز، وهذه جميعù تنبع من وعيهم ومن استعدادهم للتعب والعرق والبناء وتطوير الذات وتسريع خطاهم للحاق بالعصر، ولا تجيء آليù أو تستورد جاهزة، وبأي ثمن كان، ما دام النفط يتدفق و” الحمد و»الخير كثير«!!
المهم أن يصمد العرب على موقفهم الموحّد هذا،
إنهم إذا صمدوا فعلاً لأمكنهم اجتراح سلسلة من المعجزات الأخرى التي يحتاجونها أشد الاحتياج: كمثل تسوية الخلافات واستعادة التضامن ولجم المغامرات الحمقاء كمثل غزوة صدام حسين للكويت بكل ما استولدته من نكبات سيعاني منها العرب جيلاً بعد جيل وإلى أمد غير محدود.
إن الواقع العربي مزرٍ بحيث قد يدفع إلى اليأس،
لكن اليأس مرض قاتل وليس علاجù، كما انه ليس مخرجù للنجاة!
ثم إن هذا الواقع نفسه هو التحدي الأكبر، ولا مفر من مواجهته مباشرة ومن النظر إليه في عينيه كمدخل قسري لتغييره،
لعلها تكون الخطوة الأولى على طريق العودة إلى الاتجاه الصحيح، أي العودة إلى الذات،
وهي طريق طولها أكثر من ألف ميل بكثير، لكن بدايتها هي أيضù تكون خطوة أولى، وبعدها يصبح ممكنù الحديث عن رفع الحصار عن الأمة،
فليس صحيحù أن الحصار مفروض فقط على ليبيا والعراق، بل هو يشمل الجميع من أقصى المغرب إلى أقصى المشرق وإن اتخذ صيغة في مصر غير صيغته في السودان، وفي سوريا ولبنان غير صيغته في الخليج وهلمّ جرا.
هي ليست الصحوة. لكنها خطوة في الاتجاه الصحيح، وهذه أيضù معجزة!

Exit mobile version