طلال سلمان

رياح التغيير تباشر اسقاط انظمة الفساد.. السودان يتقدم نحو مستقبله والجزائر تواصل المسيرة

ها هو لبنان ينتفض كما لم يحدث منذ زمن بعيد وينزل اهله إلى الشوارع غاضبين: لا يكسرون وردة او شجرة، ولا يحطمون واجهات المحال التجارية غالية الاسعار، ولا المصارف التي تمتص دماءهم عبر استغلال حاجاتهم اليومية او الضرورية للبقاء على قيد الحياة.

لعل اللبنانيين من ادنى جنوبهم المتيقظ للعدو الاسرائيلي إلى اقصى شمالهم، ومن اقصى البقاع إلى مختلف انحاء الجبل يستشعرون اليوم فرحاً غامراً بأنهم ـ أخيراً ـ قد استعادوا وحدتهم واكدوا على حقوقهم في وطنهم الذي بنوه بعرق الجباه.

انها مشاهد رائعة، بل خالدة، اذ لم ينزل شعب لبنان جميعاً بالرجال والنساء وصبايا الورد وشبابه الواعد والقلق حول مستقبله وأين سيكون: في الولايات المتحدة ام بين رمال مملكة الذهب الاسود وامارات النفط والغاز.. كما نزل طوال الايام القليلة، بنهاراتها ولياليها.

انها خطوة حاسمة نحو الثورة.

مع هذه المشاهد غير المسبوقة في لبنان تطل عليك من ابعادها التاريخية صورة شهيد الامة العربية وبطلها التونسي محمد البوعزيزي، وهو يحرق نفسه احتجاجاً على ظلم نظام بلاده العسكري، قبل أن ينزل شعب تونس إلى ميادينه غاضباً فيحاصر الطاغية بن علي في قصره، حتى إذا وجد منفذاً للخلاص هرب من الباب الخلفي مع زوجته الخياطة وكنوز جواهرها إلى المملكة التي سمتها العائلة الحاكمة باسمها.

بعد تونس كانت القاهرة بميادينها الفسيحة حيث احتشدت الملايين مطالبة برحيل حسني مبارك وعائلته وزبانيته من المرتشين.. خصوصا وان ذلك الرئيس الذي ظل متمسكا بمقعده برغم تجاوزه الثمانين، موفراً الفرصة امام ابنائه (وبناته) كي يجنوا الثروات الحرام من عرق جباه الناس ومن خبز ابنائهم.

وصحيح أن موجة الانتفاضات في القاهرة هدأت او هدئت الى حين ولكن تأثيرها العميق ظل يتفاعل في صدور الناس، مشرقاً ومغرباً، متحسرين على مصادرة العسكر ثورة الميدان في مصر، وعودة العسكر إلى الحكم بعد خلع الرئيس المنتخب محمد مرسي واعتقاله ثم رميه في السجن حتى مات فيه..

لكن مصر اليوم فوق فوهة بركان.. وأبسط الشواهد أن النظام قد أرعبه تجمع المئات في ميدان التحرير، وسط القاهرة، فشنت اجهزته البوليسية حملة اعتقالات واسعة شملت العديد من الكتَّاب والمثقفين والشباب، ممن لم يكونوا في التظاهرة، بل أن غالبيتهم لا تؤمن بالتظاهر كوسيلة للتغيير.

وفي حين استأنف شعب تونس نضاله الديمقراطي بعد وفاة الرئيس المنتخب الباجي قائد السبسي، فذهب إلى الانتخابات النيابية بحشوده التي تحتل فيها المرأة دوراً بارزاً، ثم إلى الانتخابات الرئاسية التي تقدم اليها كثيرون لكن المنافسة انحصرت بين مرشحين اثنين وهما: نبيل القروي الذي كان معتقلاً وقيس سعيد الذي حقق فوزاً عظيماً.

والرئيس التونسي الجديد يحمل شهادة الدكتوراه في الدراسات المعمقة في القانون الدولي العام من كلية الحقوق والعلوم السياسية في تونس العام 1985، وقد عمل في وظائف عديدة، بينها مساعد الامين العام لجامعة الدول العربية لشؤون التربية والعلوم.

وقبل أن يكمل شعب تونس انتصاره الديمقراطي، كان شعب السودان الذي “أقام” في الشارع لمدة خمسة أشهر طويلة تلقى خلالها الرصاص في صدور بعض شبابه فشيع شهداءه وعاد إلى مواقعه في الميادين والساحات رافضا التسليم بحكم العسكر. وفي نهاية المطاف أمكن الوصول إلى تسوية بتقاسم السلطة بين جموع المتظاهرين، بأحزابهم جميعاً، وبين العسكر والجبهة التي تضم احزاب المعارضة، وتم اختيار رئيس للحكومة الجديدة من كبار المثقفين هوعبدالله حمدوك كما تم تعيين السيد أسماء عبدالله وزيرة للخارجية، وهي سيدة عالية المؤهلات، لأول مرة في البلاد العربية.

أما شعب الجزائر فهو يمضي الآن شهره السابع في ساحات العاصمة والمدن الجزائرية الأخرى، بعد اجبار الرئيس (المصاب بالشلل) عبد العزيز بو تفليقةعلى الاستقالة.. ولقد تقدم رئيس اركان القوات المسلحة الفريق احمد قايد صالح ليتولى منصب الرئيس المؤقت في انتظار اقرار قانون انتخابي جديد ومن ثم انتخاب رئيس للجمهورية.

ولقد احتج الجزائريون على تحديد 12 كانون الاول موعداً للانتخابات ورأوا في ذلك مماطلة من الرئيس المؤقت وجماعة بوتفيلقة واعداء التغيير في جبهة التحرير الوطني الجزائرية.


..وها هو العراق يغلي.. وقد اجتاحت تظاهرات الغضب بغداد بميادينها جميعا، والكوفة والبصرة والنهروان والرمادي وعدد كبير من المدن والبلدات … وبتصرف احمق، تصدت الشرطة والجيش (وبعض العصابات المسلحة، كما قالت الحكومة، للمتظاهرين، واطلق الرصاص على الجماهير الغاضبة فسقط اكثر من مائة قتيل فضلاً عن مئات الجرحى..

ولم تتوقف التظاهرات الا احتراما لذكرى الاربعين، حيث يزحف مئات الالوف من العراقيين (مضافا إليهم الايرانيون) احياء لذكرى استشهاد الامام الحسين ومناصريه وسبي نسائه واطفاله والمجيء بهم إلى يزيد بن معاوية في دمشق ومن ثم الطواف بهم في انحاء كثيرة من ارض الخلافة، ليكونوا عبرة لمن يعتبر.


من أسف أن ثروات امارت الخليج تفوق بما لا يُقاس امكانات “الشعوب” من القبائل قليلة الاعداد والامكانات، خصوصا اذا ما استبعدنا “الجاليات” العربية الكثيفة اعدادها، و”الخبراء” الاجانب الذين يتزايدون باستمرار..

اما السعودية التي لم يعترف نظام الاسرة الحاكمة فيها بأن في هذه البلاد الغنية بتاريخها وهي ارض الرسول محمد بن عبدالله والقرآن الكريم والصحابة ومن بينهم الخلفاء الراشدون، فقد افادت النصائح ( الاميركية) ولي العهد الامير محمد بن سلمان الذي خلع سلفه ابن عمه محمد بن نايف وهو جاث امامه على قدميه، بابتداع “الخطة ثلاثين” لتحديث المملكة التي تزيد ثروات حكامها عن ثروات الولايات المتحدة الاميركية، من الدرعية في نجد، قبل ثلاثمائة سنة، وقاتلها العثمانيون بإبراهيم باشا ابن حاكم مصر محمد علي في القرن الثامن عشر.

وخطة “المملكة 30” وضعتها بعض مراكز الدراسات الاميركية للانتقال بالمملكة التي ضربها الصدأ برغم ثورتها الهائلة، تبيح حفلات الغناء في بعض انحائها النائية، وابدال حجاب المرأة بالمنديل الذي يحجب معظم الوجه، من دون أن يحجب المفاتن، مع السماح للنساء بقيادة السيارات.


إن رياح التغيير تهز المنطقة العربية جميعا، بما في ذلك لبنان الذي تحتشد الجماهير في ساحات بيروت وطرابلس وصيدا وصور وحلبا والمنية وزغرتا والقبيات وزحلة وبعلبك وشمسطار وبدنايل وعنجر وكامد اللوز ومختلف البلدات والقرى في البقاع الغربي… مسجلة انتصار الشعب على العصبيات الطائفية والمذهبية …

من حقنا أن نأمل أن يكون هذا الحراك الشامل مختلف انحاء الوطن العربي بشارة بفجر الغد الافضل لهذه الامة العربية التي تعاني من الحرمان والدكتاتوريات وحكام التفريط وخيانة الدم العربي في فلسطين التي يكافح شعبها وحيداً ضد الاحتلال الاسرائيلي المعزز بالدعم الاميركي المفتوح والانحرافات المتوالية التي يرتكبها النظام العربي ضد هذه الامة ومستقبلها الافضل.

مع الأمل بأن تكمل الثورة مسيرتها نحو تحقيق اماني الامة جميعاً.

تنشر بالتزامن مع السفير العربي

Exit mobile version