طلال سلمان

رفيق الزمن الصعب: طالب فروخ

لم أكن أقدّر أن سفرا قصيرا وطارئا سيحرمني من وداع رفيق الأيام الصعبة والمتفائل الابدي بإمكان التغلب على أي مشكلة: طالب فروخ.
والحقيقة أننا، منذ حوالى الشهر، في سباق مضن مع المرض الخبيث الذي اخذ يفري كبد الرجل الطيب، ويعذبه ويعذبنا. وكان بين ما يخفف عنا أن كوكبة من الأطباء بقيادة الدكتور محمد خليفة كانوا يبذلون جهدهم، ويستعينون بالمتقدمين في زراعة الكبد من الأطباء الاجانب… حتى استقر الرأي على تسفير طالب فروخ الى لندن، حيث المتبرعون كثرة والانتظار قد لا يطول قبل تبديل كبده المعطوب.
ونادينا أهل الخير فاستجابوا وعززوا أملنا بأن ننجح في هذا السباق المروع مع المرض الذي كان يستشري فيضعف المناعة، ويضطر الأطباء الى إدخال طالب فروخ الى غرفة العناية الفائقة، في محاولة لوقف النزف وسائر التداعيات التي كانت تحاصره وتحاصرنا بأنفاس الموت.
كانت الاستجابة ممتازة في دلالاتها، فأهل الخير كثرة، وهم على عادتهم يعطون ولا يمنون،
أما الزملاء، أسرة »السفير« بكامل أعضائها، وصغار الموظفين قبل كبارهم، فقد تنادوا وأقاموا ما يشبه »غرفة العمليات« لتقديم الدم، كلما اشتدت إليه الحاجة، وتسهيل ما يتصل بعملية تسفير رفيقهم وزميلهم الذي لم يعرف الكراهية، والذي كان يحبهم جميعا ويحبونه في صمته المعبر، وفي كلماته المتقطعة التي تقول اكثر مما تقول العبارات الفخمة البناء.
لقد فقدنا زميلا وصديقا وكادرا إداريا متميزا بنشاطه وحيويته، يعرفه كل الباعة والمتعهدين وأصحاب المكتبات، في لبنان، فضلا عن مسؤولي الشركة اللبنانية للتوزيع… فهو كان على صلة يومية بالجميع، يطمئن الى ان »السفير« وصلتهم في موعدها، وبالكميات المقررة وبلا إشكالات.
وعلى امتداد السنوات السوداء للحرب الدهر كان على طالب فروخ ان يقاتل على جبهات عدة، تختلط فيها الرايات والشعارات، وتغلب المصالح والاحقاد احيانا المواقف المعلنة… ولكنه لم يكن ييأس، ويظل يحاول حتى ينجح، فإذا استمر العناد وظلت الطريق مقفلة ابتدع طريقا جديدة: المهم ان تصل »السفير« ولو في الليل!
ومثل كوكبة من الذين ساهموا في صنع رصيد »السفير« فإن طالب فروخ لم يكن »موظفا« بالمعنى التقليدي. كان يؤمن بأن صحيفته »رسالة«، وكان يتصرف بما يمليه عليه واجب الايمان بالرسالة.
لقد سابقنا القدر فسبقنا، وإننا لا نملك غير التسليم بقضاء الله وقدره، مقدرين لكل من مد يده للمساعدة في إنقاذ طالب فروخ تلبيته النداء بغير منة.
إن »السفير« التي فقدت واحدا من أركان إدارتها، تعيش لحظة حزن اكثر ما يخفف منها هذا التعاطف الواسع الذي لمسناه من قرائها وأصدقائها الكثر، تجاه المؤسسة وتجاه عائلة الفقيد.
والحمد لله، على كل حال. وإنا لله وإنا إليه راجعون.

Exit mobile version