طلال سلمان

رسائل إلى الضمير المتصل

حتام نظل نتنقل، تعصف بنا الحيرة، بين تهويمات ثرثرة الصمت المدوي، وبين فراغ الكلمات الهاربة من معانيها حتى لا تفضح تواطؤنا؟!

لماذا نخاف الصمت، فإذا ما غادرناه أعادنا إليه الذعر من صوتنا وهو يهم بأن يقول ما كنا نرجئ إعلانه حتى لا نضيع في عبابه؟!

ابتعدي عني قليلاً لكي اسمعكِ، انفصلي عني لأراكِ،

ولكنك أنتِ مَن شدني من دنياي إلى فيئك، وأنت مَن أهلكني بشكواه من صوتي العالي.

أردتك مني لا فيَّ. إن أنانيتي كالضباب بلا حدود، وأنت الشمس، تحرقينني حين تشرقين، ولكنني أقضي برداً إذا ما أطلت الغياب.

لبثت دهراً تدرِّبني كيف لا أكون إلاك، وها أنت تنفيني خارجك لأكون ”أنا”… من أين أجيء بذاتي إلا منك؟!

بالرفض. بتحطيم الصنم.

من الصنم؟! أخاف أن أحطم ذاتي إذا هممت…

تحضرين متى اتخذت قرارك باحتلال كامل المساحة. الفراغ أقسى من الموت.

يداي ترتعشان، والدمع يغشي عيوني، وإرادتي مشلولة كعقلي، فكيف لي أن أقرر وأن أستحضر أشلاء ذاتي لأكون؟! لا أعرف أن أفعل غير ما تعلمته منك. لا أعرف أحداً غيرك. أنت الأصل والصورة. أنت النور والظل. علمتني الكلمات ومعانيها، والآن ترمني إلى ليل الحيرة والعجز..

بل هي فرحتك الأولى لقهر العجز الموهوم. لن تعجزي إلا إذا ظللت تنتظرين أن ينجز غيرك ما لا يكون إلا بك. ها أنت ملء السمع والبصر، فكيف تفتقدين نفسك؟! يولد الإنسان مرة، ثم يعيد ولادة نفسه مرات ومرات. وقد يئد نفسه، وقد يغتالها، وقد يهيل عليها تراب النسيان.

تذكري أن الولادة الثانية فعل إرادي.

أعد إليَّ إرادتي.

لا أحد يعطي ما ليس عنده. لا أحد يأخذ ما لا يريد. لا يصنع أحد لغيره إرادته. أنت أقوى مما تتصورين. أنت أقدر مما تقدرين. أنت تهربين من الامتحان الذي به تكونين. إذا حضرت سيعظم حضوري، وإذا غبتِ تضاءلتُ حتى حافة الاندثار.

خذ بيدي. ساعدني. أرشدني. لا تتخل عني. أشعر أنني أضعت طريقي،

الطريق حيث قدماك. تقدمي تصلي. يسقط الخوف متى تحركتِ إلى الأمام..

أين الأمام؟! أين الخلف؟ أين الجهات، وأنا لا أعرف أين أقف،

كل الأجوبة أنت. لا جواب خارجك. وأنا بعد اليوم السؤال…

تستغل قوتك لتعذيبي. تذلني بحبك فتهجرني لتعيدني إليك. لم أكن أعرف فيك القسوة.

تأخرت طويلاً في ممارسة قسوتي على ذاتي.

لن أتوسل إليك أكثر. لن أسحق ذاتي على أعتابك.

………..

هل انصرفت عني إلى حب جديد؟! هل مللتني وأضجرك وقوفي على بابك؟

…………..

أين أنت؟! أين أنت؟! أين أنا؟! أين أنا؟! أين أنا؟! إنني أسمع صوتي. لست الصدى، إذن. انني أخطو. انني أتقدم. انني أتعرف الى ما حولي. من هذه الدخيلة التي تتابعني بعيون العسس؟! أف، أهذه أنا؟! لقد تقدمت إذن. لقد حانت لحظة المواجهة. هيا أخرجي من المرأة إلى الدنيا الفسيحة، إلى الشمس والقمر ونجمة الصبح التي ترصع وجه البقاع. هيا إليّ…

Exit mobile version