طلال سلمان

رحلة شخصية بمحطات كثيرة… للوصول الى الوطن

تقديم اضطراري: أسعدني زماني بأن سمح لي أن أعيش هذه الأيام المجيدة من تاريخ “لبنان”، وقد آمنت، أخيراً، بأنه وطني، وقد كانت الدول تتعامل معه بأنه مجرد معبر بين أوطان الآخرين ودولهم.

كان والدي دركياً، وبالتالي فقد كان ممنوعاً عليه أن “يخدم” في منطقته. وهكذا كان عليه أن ينتقل كل أربع سنوات من مخفر الى آخر، في جبل لبنان أساساً (عين زحلتا، رشميا، بعقلين، مع فاصل دراسي لمدة عام في “الفرير” في دير القمر، ثم لسنتين في المختارة،) قبل أن ينقل الى المتين.. وهناك أبلغني خلال نزهة جبلية، أن عليّ أن أرتب أموري فأدبر عملاً يقوم بأودي لكي يستطيع أن يؤدي واجبه تجاه أخوتي الأربعة وشقيقتي..

“نلت استقلالي” مكرهاً وفي وقت مبكر، مع “دعم معنوي” مفتوح‘ في حين اقتصر الدعم المادي على أربعين ليرة لبنانية بالتمام والكمال، وذلك عبر “مشوار” في بعض هضبات “المتين” تحت عينطورة، وفوقها غابة بولونيا التي تليها ـ نزولاً ـ بكفيا في المتن الشمالي.

لن أضجركم برواية ما مضى عليه الزمن حول بداياتي في العمل الصحافي.. سأنتقل منه الى الحديث عن طرابلس والدعتور والمنية التي تنقل والدي بين مخافرها، في حين كنت أسعى في مناكبها في بيروت بعدما اندفعت للانخراط في محاولة الانتماء الى الجسم الصحافي ولما أكمل العشرين من عمري.. مع اصراري على متابعة إكمال التعليم العالي، مهما تطلب الأمر من جهد، لا سيما وان “الأجر” في البدايات كان “رمزياً”.


… ولعل بين الحوافز المؤثرة والتي جاءت بي الى الصحافة، نداءات باعة الصحف صباحاً، وظهراً على وجه الخصوص، وهم “يجذبون” القراء المفترضين بعناوين الصحف: “صورة اللي قتل اخته في بعلبك. صورة اللي قتل ابن عمه. أربعة قتلى على طريق الهرمل” الخ..

.. وكان طموح الفتى الساذج أن يقدم صورة مختلفة عن “بلاد بعلبك” وأهلها.

ولعلني أحس بتعاطف استثنائي، الآن مع “شبابنا وصبايانا” الذين واللواتي يملأون الميادين الآن في بيروت ومختلف أنحاء لبنان: من الأشرفية وجونية وجبيل والبترون وصولاً الى طرابلس الفيحاء فالمنية وحلبا وعندقيت وصولاً الى القبيات في عكار.. وكذلك من الناعمة الى الدامور فالجية وصولاً الى صيدا معروف سعد، ونبطية النابغة حسن كامل الصباح، فإلى عروس الموانئ صور، وبلدات أخرى كثيرة تتجاوز الحصر..

كذلك فان لهؤلاء الفتية أشقاء وزملاء وزميلات في عاليه وصوفر وصولاً الى زحلة وبعلبك والهرمل والعين وشمسطار والفاكهة ورأس بعلبك وانعطافاً الى البقاع الغربي ببلداته ما بين بر الياس وقب الياس وراشيا بقلعتها التاريخية وحاصبيا الخ.


اليوم أعيش أبهى أيام حياتي وأنا أكتشف ان الجيل الجديد، أي هذه الجماهير ذات البهاء التي تحتل الشوارع والساحات في مختلف أنحاء لبنان، وتسقط في بيروت الحواجز المصنوعة بين شرقها وغربها، كما تسقط التسمية الهجينة لقلبها ساحة الشهداء، بـ”الداون تاون”..

الأخطر أن أجيالنا الجديدة تتجاوز لبنان ـ الكيان، بطوائفه ومذاهبه العديدة لتستولد لبنان الجديد،  لبنان ـ الوطن..

ان صبايا الورد وفتيان الأمل (ومعهم أهاليهم) قد صنعوا في الساحات، أمام الشمس نهاراً، والأضواء ومعها الأهازيج ليلاً، وطناً، بدل “الكيان” الطوائفي الذي كان من صنع الأجنبي (سايكس ـ بيكو)..

لقد تلاقوا مُسقطين حدود الإبعاد المتعمد بالطائفية والمذهبية.

رفعوا أصواتهم جميعاً بهتاف للوطن الواحد، وإسقاط النظام الطوائفي الذي يكاد يجعلهم “شعوباً” يتربص بعضها ببعض في صراع على “السلطة” التي يظل مرجعها ـ بالضرورة ـ “الدول”، أجنبية أساساً، الولايات المتحدة الأميركية، روسيا، فرنسا (ذات الفضل السابق في انتشاء الكيان الطوائفي..)

وبعد مسافة يأتي “العرب” وقد حل أهل النفط محل أهل العقائد: سوريا ومصر والعراق والجزائر الخ..


حمى الله هؤلاء الشبان والصبايا الذين يصنعون المستقبل الأفضل وهم يحولون الكيان الطوائفي الى وطن لكل مواطنيه.. كلهم، يعني كلهم!

Exit mobile version