طلال سلمان

رابحون تزكية خاسرون فيها

مرة اخرى تستعاد او تعاد فصول »الارهاب بالتزكية« توكيدا للنجاحات المذهلة في مجال الممارسة الديموقراطية.
وما بين الانتخاب الفعلي والتزكية الاضطرارية لتعذر وجود البديل كان الافضل لكل من الرئيسين نبيه بري ورفيق الحريري (وللحياة السياسية) ان يفوزا بمنصبيهما بأصوات الذين اختاروا بوعي، وبعد مقارنة مع آخرين، وعلى قاعدة برنامج اكثر تقدما واكثر تلبية لحاجات الناس وهمومهم حتى لا نقول لطموحاتهم.
والتزكية مؤذية للطرفين: لمن نالها بذريعة ان لا بديل منه »في هذه المرحلة«، ولمن أنقص من دوره ومن اهمية صوته وبالتالي من موقفه السياسي المعلن والمختلف الى حد كبير عن قناعاته المموهة بعناية »لأن الموج عال والاعتراض او حتى التميّز مكلف«.
لقد آذى النواب مجلسهم الوليد منذ جلسته الاولى،
الرئيس بالتزكية، ونائبه بالتزكية، والمفوضون بالتزكية؛ هذا يتجاوز التوافق اما الى النفاق السياسي، او الى الجبن عن تقديم الذات لنقص في الاهلية،
ثم: رئيس الحكومة بالتزكية،
وغدا تمنح الحكومة الثقة بالتزكية، او بأكثرية مطلقة تدانيها وتستند اليها.
هل يعقل ان كل هؤلاء الآتين الى النيابة من مواقع سياسية وفكرية (؟!) وحزبية ومصلحية متباينة الى حد التناقض، قد »توافقوا« بهذه السرعة القياسية على الاشخاص جميعاً، بمن فيهم من رشح نفسه لموقع ثانوي في هيئة مكتب المجلس، وهم لم يلتقوا بعد، ولما يتعارفوا، ولما يعرفوا اين يقف الآخرون منهم واين يقفون هم من الآخرين؟!
هذا يعني ان الكل نسخ متشابهة انتجها قالب واحد..
وهذا يعني ان لا سياسة ولا سياسيين في المجلس النيابي الجديد الذي »اقتحمه« 49 وجهاً جديداً،
وهذا يعني انه لن تكون هناك سياسة او سياسيون في مجلس الوزراء العتيد، طالما ان »وجهات نظر« الجميع متطابقة الى حد انعدام المسافة التي يمكن ان »ينفذ« من خلالها البديل.
الكل سواء: اليمين، اليسار، »المتطرف« و»المعتدل«، المتمول ورجل الاعمال والمتحدر من التدريس الحكومي، الفلاح بأصوله وملاك الأرض والعقار بالاجتهاد، المقاول بالسليقة والمقاول غب الطلب وبالتراضي…
على ان اخطر ما يكشف هشاشة هذه التزكية هو تجافيها مع طبيعة الاوضاع السائدة في البلاد: من الركود الاقتصادي الى الازمة الاجتماعية المتزايدة حدة وخطورة، الى الفساد الاداري الذي بات مثل »اللازمة« في تصريحات السياسيين، الى مسلسل الفضائح المالية والصفقات المريبة التي لم توفر احداً من الطاقم الحاكم مباشرة او عبر أتباعهم.
الطريف ان من يحظون بهذه التزكية يشكون من سوء الحال، برغم انهم المسؤولون عن الحال والمتطوعون لتبديل الحال بأحسن منه.
التزكية تخلي طرف الجميع من المسؤولية وتحصرها بهؤلاء الذين لا بديل من اي منهم،
وبهذا المعنى فهي سيئة الى من يُزكِّي بقدر ما تسيء الى من يُزكَّى، اذ انها تلغي الحساب،
وإلغاء الحساب ليس بالضرورة اعلاناً للبراءة، بل هو قد يعني الادانة المضمرة والمرجأ اعلانها الى يوم تتبدل الريح ويدور الفلك دورة جديدة.
وثمة في الأفق ما يحمل على الاعتقاد أن »الطقس« الى تبدل، و»التزكية« ليست دائماً أفضل معطل للصواعق.

Exit mobile version