طلال سلمان

دولة عرفات مناورة في كازينو

طلال سلمان
****
على الطريق
دولة عرفات: مناورة في كازينو ..
*****
أكثر الخائفين من إعلان الدولة الفلسطينية هم مواطنوها المفترضون، أي الفلسطينيون!
لكأنهم يرون في إعلان دولة لا أرض لها ولا سيادة ولا مقومات جدية وكأنه نعي رسمي ونهائي لقضية فلسطين، وإعلان رسمي »بتقسيم« شعبها، بعد التسليم بالهيمنة الإسرائيلية المقننة على أرضها، سواء المحتلة (نهائياً) والتي وقع الاعتراف بها كجزء من الكيان السياسي الإسرائيلي، أو تلك التي أُخضعت لسلطة عرفات تحت الإشراف السياسي والاقتصادي والعسكري والأمني الإسرائيلي،
لعلها المرة الأولى في التاريخ التي يكون فيها إعلان الدولة، أو بتعبير أدق التلويح بإعلانها، مناسبة للحزن، وسبب إضافي للخوف، وتعاظم الإحساس بالضياع والحكم بإسقاط الهوية الفلسطينية عن ثلاثة أرباع المواطنين المفترضين (وأصحاب الحق الثابت في هويتهم الوطنية) في الدولة العتيدة،.. فثمة أربعة ملايين فلسطيني، أو أكثر، لن يمكنوا من الادعاء غداً انهم رعايا هذه الدولة، هم مجموع فلسطينيي الشتات ومن يسمون »عرب إسرائيل«.
ولعلها المرة الأولى في التاريخ التي يستخدم التلويح بالدولة كمناورة سياسية، في لعبة قمار مكشوفة مع مقامرين محترفين وداخل »الكازينو« الذي يخصهم هم والذي وضعوا له قواعد اللعب بما يضمن لهم الربح الدائم وإلا »اختفى« المنافسون أو أعلن إفلاسهم!
الطريف في الأمر أن الرئيس الأميركي بيل كلينتون دخل ساحة المناورة فأثبت أنه الأبرع من بين اللاعبين عموماً، بدليل أن رسالته، أمس، إلى كل من ياسر عرفات وبنيامين نتنياهو قد أسعدت الرجلين، فزايد كل على الآخر في امتداح موقف البيت الأبيض.
وأهم ما اقترحه كلينتون هو إرجاء إعلان الدولة ليس فقط إلى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية، ولكن عملياً إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية التي تنتهي معها ولاية كلينتون،
فالدعوة إلى مفاوضات جديدة حول الوضع النهائي تمتد سنة، بغير أن تكون نهايتها موعداً نهائياً للاتفاق، ومن ثم لإعلان الدولة، يتخللها لقاء عند كلينتون بين الطرفين، لا يمكن اعتبارها وعداً »بتبني« هذه الدولة أو تعهداً بالمساعدة على إقامتها، أو الاعتراف بها إذا ما أُعلنت.
وشتان ما بين وعد بلفور ووعد كلينتون أن المسافة بينهما كمثل المسافة بين الحركة الصهيونية وبين سلطة عرفات.
لقد أشار كلينتون في رسالته إلى مسلسل الاتفاقات الفعلية الموقعة، وكلها في إطار دولي، والمعززة بضمانات خطية وشفوية ومتلفزة، وبينها اتفاقات مدريد وأوسلو والقرار 242 ومبدأ الأرض مقابل السلام وأخيراً اتفاق واي ريفر، وكل ذلك لم يصل إلى النهاية المنطقية أي المرتجاة، أي لم ينفذ.
ولن يكون الوعد الجديد أعظم حظا بأن يرى النور مما سبقه من تعهدات واتفاقات.
على أن أبأس ما في هذا الوضع أن ياسر عرفات قد بات أسير مناورته، فبات خروجه منها نكسة وطنية عامة والوصول بها إلى خاتمة مقبولة ضرب من المستحيل.
الأسوأ أن »العرب« بمجموعهم خارج الموضوع، وقد أظهر الأطراف المعنيون الثلاثة، أي السلطة الفلسطينية وإسرائيل والإدارة الأميركية، أنهم لا يريدون بل ولا يقبلون أي دور للعرب إلا كشهود (زور؟!) على الاتفاقات المرجئة للاتفاق النهائي في الحديقة الخلفية للبيت الأبيض.
والمناورة مفتوحة على مدى المأساة القومية.

Exit mobile version