طلال سلمان

دمشق التي تمتلكني

حي الصالحية في دمشق

أحاول في الصور التي التقطها، أن أرى الطمأنينة التي كنت أعرفها في دمشق.
يخيل لي أن هذا ما أبحث عنه باستمرار.
لايهم أن تكون المدينة على جنونها، وهو مابات يعرفه ويشعر به أغلب من قابلتهم من أهلها. المهم، بالنسبة لي على الأقل، هي تلك الروح العميقة للبلد، وهي مابقي في ذهني خلال حياتي في الغربة، ثم خلال فترة ابتعادي الإجبارية عنها.
أعي تماماً مدى عدم واقعية هذا الكلام، لكني وبعد أسبوعين من المشي المستمر في شوارع دمشق وحاراتها وأزقتها، أسبوعين لم أتوقف خلالهما عن مراقبة البشر والمباني والأشجار الخضراء، وحاويات القمامة التي لم تُلَّمْ، وفوضى السيارات، والناس المتعبة التي لاتزال تحتفظ ببقايا ابتسامات، كنت أشعر أن الوقت الذي أقضيه هنا ثمين لدرجة أني لم أكن أرغب بإضاعة دقيقة واحدة منه رغم موجة الحر الخانقة، والحرارة التي تلهب الأجساد.
أن تسير في دمشق، يعني أن تسير إلى جانب ذاكرتك وذاكرة المدينة بآن. والمدينة تئن بصخب حيناً وبصمت أحياناً. أصوات المولدات الكهربائية وزمامير السيارات والباعة الذين يغنون لبيع بضائعهم، وأصوات الآذان التي ترتفع فجأة لتذَّكرك إيقاع الزمن، ثم السكون الذي يفاجئك على منعطف حارة داخلية.
لاتزال الأشجار تقاوم الجفاف، ولايزال الياسمين يبوح بنبضه، ينفخ الروح ويتكابر على المرارة وهي كبيرة وشديدة الوطء.
هنا، لايزال البائع يقول للزبون: تفضل… خليها علينا، ولايزال بالإمكان تذوق ثمرة تين قبل شرائها.
تجنبت قدر الإمكان تصوير البشر والبؤس والفقر والأطفال الذين لا مأوى لهم. كان الخجل رفيقي الدائم أمام كل إنسان يبدو عليه التعب والحزن. قرَّرتُ أنه ليس من حقي اختلاس حزنهم بتصويره، فاكتفيت بتصوير كل مابدا لي متعلقاً بجمال المدينة، تلك التي في خاطري والتي أريدها أن تبقى.
أحب هذه المدينة لاشك لدي في ذلك. أحب ناسها وشوارعها، ولم أعثر بعد على مدينة تشبهها، إذ ليس من مدينة أخرى تمتلكني إلى هذا الحد.
ممنون أنا لكل ما فيها. ممنون للصديق الذي استقبلني وكانت داره داري، وممنون لكل من قابلني بلهفة.
ليس لدي ما أقدمه سوى كلمات وصور وعاطفة لايرتبط ثمنها بأسعار صرف الدولار.
أجزم، أو ربما أريد الإيمان أن الطمأنينة هي روح سورية العميقة ولو اختفت تحت كمٍ من القهر وغياب الأفق، وهي بعيدة عن المذابح التي رأيناها. أقول هذا وأنا أعي صعوبة ما أقول، وصعوبة ماجرى وما يجري. لكن شيئاً ما لا أعرف تفسيره، يترك للأمل فسحة، فسحةً وحسب!

Exit mobile version