طلال سلمان

دبلوماسية جنرالات

أقفل وزير الخارجية الأميركية الجنرال كولن باول باب المطالبات العربية بأي تغيير أو تعديل في سياسة الإدارة الأميركية الجديدة تجاه العرب على اختلاف عواطفهم أو مصالحهم أو مواقفهم من واشنطن.
فالغارات التي شنتها الطائرات الحربية الأميركية (والبريطانية) على بغداد، قبل أسبوع، إنما كانت العنوان الناري لطبيعة هذه السياسة، باستهدافاتها الأساسية، وبتحالفاتها الثابتة منها والعارضة، »الأبدية« منها والمتقلبة حسب الظروف واتجاهات الريح.
وإذا كانت هذه الغارات قد غطت بدويها وبآثارها السياسية على انتفاضة الأقصى، فشغلت عنها العرب حكومات وجماهير، ومكّنت إسرائيل من التقاط أنفاسها والتخفف من الضغوط الدولية (والعربية، ولو محدودة)، فإنها قد نقلت العرب وعبر بعث صدام حسين كأخطر رجل في العالم!! إلى موقع مصدر الاستفزاز والاضطراب وتهديد الاستقرار الاقتصادي في الكون فضلاً عن الإرهاب الدولي!
لقد سبق الجنرال باول الدبلوماسي باول فأدى عنه المهمة وأعفاه من عبء المجاملة ومحاولة تمويه المواقف القاطعة بالعبارات المطاطة والتحرّج من ممارسة الابتزاز المالي والسياسي بشكل سافر ومن دون قناع.
في ظل هذه النبرة العسكرية لدبلوماسية العهد الأميركي الجديد (صديق العرب!!) صار بوسع أرييل شارون أن يستعيد نجومه كجنرال وأن ينتقل إلى الهجوم، مرتكزاً على تملص سلفه باراك (الذي نسي عسكريته وتصرف كسياسي) من الاتفاقات المحدودة التي كان وقعها مع الفلسطينيين، بناء لمبادرات أميركية، فيلوّح بإعادة احتلال الضفة الغربية، ويوقف لجنة التحقيق في الانتهاكات (الأميركية)، والتي وُلدت جهيضاً والتي لما تنجز ما يعتد به ولو على صعيد حقوق الإنسان وبعيداً عن الإدانة السياسية المباشرة لجيش الاحتلال ومستعمريه المستوطنين.
أكثر من هذا وذاك: ها هو الجنرال شارون يقفز من فوق مواقف التحفظ العربية على وصوله إلى السلطة، بتاريخه المثقل بالمجازر الجماعية، ويتقدم لتكليف أكبر دولة عربية (مصر) بنقل تهديداته المباشرة إلى دولتين عربيتين هما سوريا ولبنان، وكأن مصر غير معنية أو غير مستهدفة بمثل هذه التهديدات، بينما تكليفها هو بذاته تهديد واعتداء فاضح على سيادتها قبل عروبتها.
والحقيقة الجارحة تفيد بأن الطائرات الحربية الأميركية والبريطانية ما كانت لتقوم بغاراتها »الروتينية« على بغداد، لو أن العرب كانوا قد احتضنوا بالمصلحة قبل العاطفة الانتفاضة الفلسطينية ووفروا لها ما تحتاج من دعم ومن حماية لكي تحقق ما كانت مؤهلة لإنجازه بزخمها العظيم وتضحياتها الجليلة.
لقد هرب العرب من الميدان تاركين للانتفاضة المحاصرة بالموت قتلاً أو جوعاً أو تعباً أو يأساً أن تواجه وحيدة إسرائيل الغنية والمحمية جيداً…
برغم ذلك استطاعت انتفاضة الفتية الذين لا يملكون غير دمائهم أن تخلخل ركائز الحياة السياسية في إسرائيل، وأن تفضح »يسارها« العنصري فإذا هو الوجه الآخر لليمين العنصري، وإذا الوجهان معاً يشكلان الصورة المجسمة للعنصرية المموّهة بنوع فريد من »الديموقراطية« هو امتياز لليهودي وحده، وكأنها هي أيضاً من التراث التوراتي.
وبرغم ذلك استطاعت هذه الانتفاضة المجيدة أن تشطب »زعامة« إسرائيلية أخرى، فلحق باراك بنتنياهو الذي كان قد لحق ببيريز.
هل الوضع ميؤوس منه؟!
بالطبع لا، إلا إذا كان العرب يائسين من أنفسهم.
فدبلوماسية الجنرالات مثل سياسة الجنرالات ترتد على أصحابها إذا هي لقيت الحد الأدنى من الممانعة، إن لم نقل من المواجهة.
ومَن كان على أرضه فهو سيد قراره، إذا أراد أن يمارس حقه في السيادة وفي القرار.
ومَن ينعَ القمة العربية (العادية الأولى) منذ اليوم فلا يفعل غير الاستسلام للجنرال الإسرائيلي أرييل شارون، حتى لو كان العنوان المعلن الجنرال الأميركي كولن باول.
… مع أن الجنرال المثقل بالمجازر يبدو عاجزاً عن تشكيل »حكومة بمن حضر«، في إسرائيل التي كالعادة تُخرج صواريخ الباتريوت الأميركية من المخابئ لا لكي تدافع عن نفسها ضد خطر صدام حسين، بل لتكمل مهمتها الدموية في سحق الانتفاضة الفلسطينية.
وبين شروط هذه المهمة تخويف مصر، وعبرها ومعها لبنان وسوريا.
… والذكرى الأولى لتحرير لبنان بالمقاومة تجيء مباشرة بعد القمة العربية بشهرين، لمن تنفعه الذكرى من المؤمنين.

Exit mobile version