طلال سلمان

خاطرة حرة من مناضل سجين: متى يا وطني؟

خواطري تحط على شواطئِكَ تسافر بعيداً وتجول في كل الآفاق باحثة عن مكان تأمن له وتفرغ كل أحمالها بين أحضانه تجول الصحاري البعيدة في إفريقيا فتجد الآهات والحرمان والوجع الممزوج بالجراح، يزيد من قساوتها وصعوبة التأقلم أحوالها حتى زادتها الحروب كآبة تفوق كل ما تمر به وتحياه.

تخترق الصحاري عابرةً لغابات الأطلسي فتطل على المغرب العربي الجميل الذي ملأ الدنيا علما وحضارة وثقافة، يرزح اليوم ما بين الخوف من المستقبل وظروف الحاضر المؤلم الذي تطغى غمامة الإرهاب السوداء على أفقه وتسد كل أجواء الفرح فيه وتمنع وجوه الحياة من الاستمرار والتواصل والإبداع.

تحلق بعيداً عن أجواء الكآبة تلك فتحط في القارة العجوز التي عاشت الظروف ذاتها قبل مئات السنين واستطاعت التغلب عليها وخلق واقعها الجديد المختلف الذي يجعلها تتعفف عن استقبال المحتاجين والملتجئين إلى أحضانها فتتركهم لمصيرهم بين الموت غرقاً أو جوعاً أو تحت غارات الطائرات وتنسى حياة الأسى في طفولتها وكيف كانت تحدق بنظرات التوسل عندما كانت تعيش الظروف ذاتها، وكيف أنها تسللت عبر طاقات الآخرين لتصنع مستقبلها الذي أصبح اليوم واقعاً.

تطير عبر الأجواء والآفاق الرحبة والواسعة لبلاد كانت حتى وقت قريب تعاني ما نعانيه ولكنها فتحت عينيها وبدأت تحفر في الصخر مستقبلها فتفوقت في الصناعة والتجارة وبدأت تنافس أعتى القوى المتغطرسة في هذا العالم وعرفت بعد دروس وأوجاع كبيرة أنه لا يصنع مستقبلها إلا جهدها وأبناؤها فبدأت ترسم بنفسها أهدافها الخاصة التي تريدها هيَ لا تلك التي تمليها القوى المختلفة عليها.

وفي الجوار منها بلاد رسمت للعالم خطوط وخرائط ذات يوم وكانت تخلق الضجيج أينما حلت وارتحلت، حتى اختلفت الظروف والأحوال وتغيرت مجاري الأمور فأصبحت الأمراض تحيط بها من كل اتجاه، حتى تبعثرت القوى وتفرقت أجزاء الجسد الواحد ولم يبق سوى التاريخ يدافع بشراسة عن مصير تلك البلاد فكان لها ما أرادت وعادت الآن تحاول المنافسة في سباق الأمم نحو الارتقاء وبناء الحضارة والمستقبل.

خواطري حلقت في كل الأجواء والمجالات والأصقاع وعادت ترنو بحب إلى شواطِئكَ يا وطني العربي الكبير، فمتى سترسو سفنك المهاجرة دوما دونما توقف ومتى توقف ذاك الرحيل القسري المتواصل؟ ومتى ستبدأ بتأسيس قواعدك الثابتة للانطلاق مجدداً نحو الآفاق والمعالي والأمجاد؟ متى يا وطني الحبيب تصيبك عدوى الانطلاق والسباق والمنافسة نحو الحياة ونحو المستقبل ونحو الاختراع والاختراق لكل الحواجز والموانع المصطنعة؟

أسامة الأشقر ـ عزل سجن عسقلان

Exit mobile version