طلال سلمان

حسان دياب.. هذا أنت، لا نحن

كتب نصري الصايغ:

خرجت جموع الانتفاضة على الطوائف ومنها. اختارت لغة مدنية. صدحت بصراخات جارحة. نادت وطناً مخطوفاً. التقت على محوِ ماض وكتابة مستقبل. استعادت لبنان من محتلَّيه المزمنين. جعلت الساحات منابر وحناجر. اتسعت الساحات لكل لبنان. اللبنانيون الجدد طلّقوا سخف السياسيين الملوثين بأوبئة معدية ومتمادية. التقوا من جهات الارض الاربع. المغتربون تقاطروا تعاطفاً. أبدعوا شعارات نقية. شملوا الحكام بأحكام عادلة. قالوا “كلن يعني كلن”. الاستثناء ممنوع. ولدت على أياديهم ابداعات سياسية وثقافية وفنية. سوق عكاظ لأفكار جديدة، خريطة طريق لوطن للبنانيين. انتزعوا لبنانهم من جيوب وانياب ومعايب الحاكمين بالوراثة اللعينة…هؤلاء، كانوا المعجزة. مقلدوهم، حاولوا سرقة الانتفاضة، وبسرعة، عادوا إلى اوكارهم الطائفية. انهم يليقون بالتخلف.

الانتفاضة، رسمت خريطة طريق للخلاص: سلطة جديدة. برنامج انقاذي. حكومة مستقلة تتبنى مسار الحراك. مكافحة الفساد. ومحاكمة الفاسدين والمفسدين. استعادة الاموال المنهوبة. قانون انتخابي عصري خارج القيد الطائفي، إذا أمكن. انتخابات مبكرة. انبثاق سلطة جديدة، والانتقال إلى الدولة المدنية.

واضح ذلك، كرجة مي. انما السلطة الجهنمية ليست في هذا الوارد. انها سلطة تستمد شرعيتها من مواطئ الربحية. الرصيد الربحي أصله طوائفي. لا سلطة عندهم تعلو على سلطة الطوائف. وبما أن السلطة المستدامة في تخلفها، تنتعل الطائفية، وتختلف على الحصص، دب في ما بينها الخلاف، وانشقت نصفين، استعادوا فيها، اصطفافين لعينين: 8 و 14 اذار.

استقالة الحريري، التي حصلت بضغط الانتفاضة، وليس زهداً في الحكم ابداً، اثارت خلافا بين عصابات السلطة. لجأت “القوات” إلى الشارع واندست في الحراك. وحرك جنبلاط جماعته، واستقل بحراك، ولما خرج او أُخرج بعدما أُحرج الحريري، استنفر حراكاً سنياً. هذه الانماط لا تمت إلى الحراك بنسب او قرابة. انه حراك الحرب الاهلية الطائفية في الشارع. والانتفاضة الشعبية منه براء.

برهنت الساحات والطرقات والمناطق، أن الحراك الشعبي ظل مستقلاً وصامداً على تعدد مكوناته. أما الحركات السنية والدرزية والمارونية، فكانت لا تمت إلى الحلم اللبناني الشعبي، الا بصلة الانتهاز. حراكات احزاب السلطة لا تمت بصلة لحراك الانتفاضة الاصيل. حراك الشعب اللبناني الذي طلق طوائفه واحزابها وزعماءها بالثلاث.

وعلى من يعتدي على الحراك بالقول، أن يعرف انه مدان، لأنه يطلق الاتهام من موقع طائفي مدان وسخيف وحقير. لا ندعي أن الانتفاضة كاملة، ولكننا نؤكد، أن هذه الانتفاضة بكر وولادة وحيوية، وذات نفس طويل. لا تريد شيئاً لنفسها. لذا امتنعت عن المشاركة بتحركات السلطة المشبوهة والمحسوبة والمجزية.

ولا تتهم الانتفاضة بأنها سبب الانتكاسات السياسية والمالية والاقتصادية. اجرام السلطة في إهدارها للثروة الوطنية، اوصل البلد إلى الافلاس، ودفع المؤسسات إلى الاقفال، واخرج عشرات الآلاف من اشغالهم، فباتوا عاطلين عن العمل…هذه الطغمة الفاسدة والمفسدة والمجرمة، هي التي تحالفت مع المصارف، فأغلقت ابوابها، وحجزت اموال المودعين، وتقطر عليهم ما لا يكفيهم كفاف يومهم… انها طغمة حرامية، والشعب سيذوق مرارة الجوع، وعسى الا يصل إلى المجاعة.

أما بعد…

حسان دياب يبحث عن حكومة تكنوقراط تنال اولاً ثقة من اوكلوا اليه مهمة التأليف بعد التكليف، أي قسماً من احزاب السلطة، ويرضي الاحزاب الطائفية الحردانة والمتحصنة بشارعها الطائفي، اما علنا او خفية. حسان دياب افاض في مديح الانتفاضة. هذه لم تستجب. قالت: لا حديث عن التمثيل، بل كل الكلام حول البرنامج الإنقاذي. الثقة تعطى من الشارع، عندما يتحقق برنامج الانقاذ والتغيير. أما راهنا، فلا تبحث عمن يثق بأن اساطين الاحزاب سوف ترخي قبضتها عن السلطة.

نصيحة بديهية: قال كثيرون من ارباب السلطة، البلد غني لكنه منهوب. والناهبون معروفون. قم يا حسان دياب بانقلاب شرعي على هؤلاء. غدا، عندما يجوع اللبنانيون، سيقدمون على ذلك، بالقوة. اللبنانيون، إذا جاعوا، لن يمدوا اياديهم للتسوُّل، بل سيشهرون قبضاتهم لاستعادة منهوباتهم. واسماء النهابين معروفة. مصارفهم متداولة. ممتلكاتهم على مرمى الاقدام.

كان بودنا أن نثق قليلاً بالرئيس المكلف. غير اننا نعرف انه لن يجرؤ على سؤال أي حزب كان حاكماً، من اين لك هذا؟

ومع ذلك، فان المستقبل هو بيد الانتفاضة المستمرة…حتى طرد اللصوص من الهيكل. بمثل هؤلاء تليق الأوطان ويحيا لبنان.

Exit mobile version