طلال سلمان

حروب حلفاء

1/11/1996
فجأة، وعلى غير توقع، فرطت الترويكا«!
وطبقا للتقاليد السياسية العربية »العريقة« انقلبت التحالفات »الاستراتيجية« بين اطرافها الى حروب، بعضها معلن ومكشوف وبعضها الآخر مضمر ومستور حتى يحين الحين!
قبل اسبوعين فقط كان الرؤساء الثلاثة يقفون امام عدسات المصورين مبتهجين وقد وشح كبيرهم الذي علمهم السحر شريكيه »الثاني« و»الثالث« بأرفع وسام في لبنان.
قال فيهما وعنهما وقالا فيه وعنه ما لا مجال بعده لمزيد اشادة وتنويها بالاخلاص والكفاءة والامانة والشجاعة والسهر على سمة العباد والبلاد وتأمين انطلاقة السلم الاهلي تحت الاعلام الخفاقة للازدهار والرخاءالعميم.
وقيل في التفسير: ان الثلاثة مجتمعين قرروا الرد على الحملة والفضائح المتفجرة كديناميت الكسارات والصفقات المشبوهة التي تصاحب التلزيمات غب الطلب ملازمة الطوابع المزورة والمختلسة للمعاملات الرسمية والضرائب والرسوم غير المباشرة.
كان الثلاثة خارجين للتو من تحالف انتخابي متين تفاوتت فيه الحصص بشكل فاضح لكن المصلحة كانت تقضي بأن يكظم الاول غيظه، منعا للشماتة من جهة، وحفظا للحق في التعويض من جهة ثانية، وحماية لما تبقى من سمعة الحكم من الجهات جميعا.
تمت الشكليات وفق الاصول: انعقد المجلس فسلم لواءه بالتزكية للثاني، ثم استنفر للاستشارات فزكى المزكى و»رشح« الثالث لرئاسة قائمة فعلا من قبل صدور المراسيم.
انتهى دور المجلس. انتهى المجلس، وجاء الدور على الحكومة.
لا تحتاج الكمائن الى جهد كبير، فالتحالف يعوم فوق بحيرة من الافخاخ والكمائن الجاهزة يكفي لاستنفارها المطالبة بمثالثة داخل الترويكا، خصوصا وقد تعذر تحقيقها في المجلس الذي وُئد بعد ايام من ولادته واستبقي كيد خشبية ترفع هي الاخرى غب الطلب.
في زمن الرصاص الطائش من الافضل ان تستتر وراء جدار سميك حتى لو اتهمت بالبطالة!
لكن الرصاص الطائش متبادل، ولذا فقد يُصاب به مطلقوه.
اول الضحايا كانت »الحكومة البرلمانية«، وقد جاءها الرصاص من مصدرين، بينما يوفر صاحب المجلس »خرطوشه« للمعركة الفعلية، فهو يعرف ان هذه مناورات، اي دوي ولا رصاص!
اما الحكومة المطعمة فقد اثارت مشكلة؛ من يضع الطعم واين وكيف وبأية نسبة؟! فكل لديه دستة من رجال الاكسترا المتمتعين بصفات تؤهلهم لمختلف الوزارات من النفط الى الاشغال، ومن المالية الى الاقتصاد، ومن الثقافة الى الاعلام، ومن التربية الى الموارد… يا حبذا الموارد!
الدنيا اخذ وعطاء… والمدى قصير لا يسمح بسياسة »خذ وطالب«. وبعض الحقائب اغلى من ان تتم المساومة عليها، وشاغلوها من »الامانة« بحيث لا يجوز التفريط بهم!
»اذا هبت رياحك فاغتنمها«، »فليس بعد العشية من عرار«، و»الفرصة اجنحتها في اقدامها« فلا تضيعها..
ملعون ابو التحالف! اذا هو لم يتأكد اليوم ويثبت على »حقائب« راسخة فمتى اذن يكون، وما نفعه متى صار السيف عصا؟!
لا بد من المساومة، اذن. لكن للمساومة موعدها الدقيق، ان انت باشرتها قبل الاوان خسرت، وان انت تأخرت في اعتمادها احترقت.
ثم ان المساومة تفتح الباب للآخرين المتربصين خلف كمائنهم، اذا تم تعديل في الحصص هنا فهو سيسحب نفسه على كل الشركاء المضاربين!
المعادلة صعبة، لكن تخوم الملعب معروفة وكذلك قواعد اللعبة، وللحكم وحده ان يقرر متى يتدخل وكيف يعيد الانضباط الى الفريق الذي سيخرج مهمشا بانتصاراته البائسة!
والحكم مشغول الان بما هو اهم، ثم انه مطمئن الى ان صفارة واحدة تكفي لاعادة النظام الى النظام.
امامنا بضعة ايام من التسلية، سيمضع فيها الشعب الكسول الذي لا يقبل على العمل سيرة رؤسائه والوزراء والنواب… وهو سيصدق كل ما يقوله كل منهم في كل منهم، وما يروجه وزراء هذا من »اراجيف« تنال من طهارة الكف والذيل لوزراء ذاك.
عند تضارب المصالح تسقط الاقنعة، وقد ينجح واحد في توجيه ضربة تحت الحزام فيكسب »تعاطف« الجمهور الذي ينتظر فرصا تاريخية كهذه ليكتشف المزيد من مواهب حكامه ومن احترامهم له واهتمامهم بأزمته المعيشية!
والايام حبلى بالفضائح،
وحين تجيء لحظة الميلاد فيصفر الحكم ستولد حكومة تحمل سجلها العدلي في عنقها، بينما سيكون امام مدعي عام التمييز عدنان عضوم الكثير من العمل لكي يحقق وعده للمواطنين بأن يجعل سنة 1997 سنة مكافحة الفساد!
طلال سلمان

Exit mobile version