من الحرب الإسرائيلية الشاملة على العرب ومعهم بعض المسلمين، إلى الحرب الأميركية الشاملة على الإسلام والمسلمين، ومن ضمنهم »بعض« العرب، لا سيما مَن يرفض التوقيع على الاستسلام وإلغاء نفسه من دون قيد أو شرط!
بدلا من »السلام الشامل« والعادل والدائم!! الذي تعهدت الولايات المتحدة الأميركية برعايته وضمان استمراره (متى قام؟)، ها هي الدولة العظمى القطب الأوحد، بإدارتها الركيكة والمسترهنة، تندفع إلى أبعد مما تطلبه أو تفعله إسرائيل ذاتها فتعلن الحرب الشاملة على الدين الإسلامي وعلى المسلمين جميعا، مع اختلاف جنسياتهم وانتماءاتهم، بمن فيهم أولئك الذين يحملون الجنسية الأميركية وسبق لهم ان قاتلوا ضد إخوتهم في القومية والدين لحماية المصالح الأميركية (ربما في لبنان 1983، أو في الكويت والعراق وسائر الخليج 1991).
لكأن ثمة قرارù كونيù بإهدار دم المسلمين!
فلا دماء تسيل الآن ملعونة ومسفهة إلا دماء المسلمين، ومن ضمنهم العرب بالنصارى فيهم، من البوسنة إلى الشيشان مرورا بلبنان وفلسطين المحتلة، وذلك موضوع آخر، في أي حال، ليس المجال للخوض فيه هنا واليوم.
المهم أن زعيمة العالم الحر، والداعية الكونية لحقوق الانسان واقتصاديات السوق تهدر دم الدستور الأميركي ذاته، وتُسقط حقوق المواطن الأميركي المقدسة نفاقù لإسرائيل، ودعمù لحكومتها »الاشتراكية« برئاسة إسحق رابين!
وفي الولايات المتحدة بالذات جمعت ملايين الدولارات، ذات يوم، ولعلها ما زالت تجمع، تحت شعار »إدفع دولارù تقتل عربيù«،
وفي الولايات المتحدة إياها تُفرض على المواطن الأميركي »أتاوة« أو »خُوة« لإسرائيل، فيحرم من بعض دخله لكي توفر المساعدات الهائلة (عسكريù واقتصاديù) للدولة التي احترفت القتل اليومي والعدوان المستمر على »جيرانها« العرب.
إن إدارة كلينتون تقولها بأعلى الصوت: إسرائيل أهم من الدستور الأميركي، وإسرائيل أهم من المواطن الأميركي وحرياته الشخصية وحقوقه السياسية كإنسان!
فهي تستبيح حقوق مواطنيها المتحدرين من أصل عربي والمعتنقين الدين الإسلامي، وتشرِّع التجسس عليهم ووضعهم تحت الرقابة، والتنصت على مكالماتهم الهاتفية ومصادرة أموالهم الخاصة، بذريعة حماية إسرائيل ممن تضطهدهم ويطاردهم عسكرها بالرصاص في شوارع المدن والقرى في الضفة الغربية المحتلة، بما فيها القدس الشريف،
في الوقت نفسه فهي تفتح الأبواب على مصاريعها لجامعي »الأتاوات« أو »التبرعات« من أجل تمويل بناء المستوطنات فوق الأرض التي أقرت إسرائيل أخيرù (ولو ضمنù) بفلسطينيتها، وكذلك من أجل دعم الحكومة للاستمرار في احتلال بعض الجنوب والبقاع الغربي في لبنان.
* * *
إنها الحرب الشاملة والمفتوحة،
وهي حرب إسرائيلية حتى لو مشت في ركابها أو قادتها الولايات المتحدة الأميركية.
وهي حرب تؤكد وبالملموس ما لم يعد بحاجة الى تأكيد من أن السياسة الأميركية تجاه العرب، والآن تجاه المسلمين عمومù، هي سياسة بحت إسرائيلية!
بل إن واشنطن أشرس في هذه الحرب من الإسرائيليين أنفسهم، وليس مستغربù أن يبدو إسحق رابين وكأنه أكثر اعتدالاً من بيل كلينتون.. فمحطِّم عظام الأطفال الفلسطينيين لا يتعب من الترداد أنه مع استمرار »العملية السلمية«، وأنه مصرّ على الوصول إلى سلام شامل، في حين يتورّط الرئيس الأميركي الضعيف في حرب شاملة ضد العرب والمسلمين!
إنها حرب على مستوى الكون،
وهي حرب تتجاوز العسكر وجبهات القتال، باردة كانت أو ساخنة، لتمتد إلى الاقتصاد وإلى مجالات العمل والرزق كافة، وإلى حقوق الانسان، وإلى مرتكزات النظام »الليبرالي« في »العالم الحر« ذاته.
لكأن الغرب كله يقول للعرب والمسلمين (وربما للإنسانية جميعù) إن هذا النظام إنما اعتُمد من أجل إسرائيل، وهو يبقى بقدر ما هو صالح لإدامة وجودها وتمديد احتلالها والتعجيل في قيام أمبراطوريتها.
* * *
ليس لهذا التصرّف الأميركي الطائش وغير المسبوق غير تفسير واحد: إنه اغتيال لعملية السلام ذاتها، وتنصّل من الالتزامات التي تعهدت بها الولايات المتحدة الأميركية لأطراف مؤتمر مدريد العربية خاصة وللعالم بشكل عام.
وهو »سلام« قاتل في أي حال،
فإسرائيل لا تريده إلا بقدر ما يلغي »أعداءها« في الخندق المقابل،
لقد اعترفت بأنور السادات لتلغي مصر،
واعترفت بياسر عرفات لتلغي فلسطين (ومعها منظمة التحرير)،
واعترفت بالملك حسين لتلغي الأردن (كمشروع كيان فلسطيني، ولو بنسبة ما)،
أما في لبنان، فكان الخيار أن يلغي نفسه، هويته، استقلاله، سيادته على أرضه، واستطرادù دولته، ليتم من بعدُ الاعتراف به ولو كأرض محتلة!
ومع دمشق، تحاول إسرائيل أن تساوم على إرجاع الجولان مقابل إلغاء سوريا، دولة ودورù، قيادة وشعبù وأرضù وقضية.
إنها لا تعرض على العرب غير الموت: الموت حربù أو الموت تحت راية »سلامها« الأشرف منه الانتحار.
وذلك مفهوم، ولأنه مفهوم فهو مرفوض من الذين يرفضون الانتحار أو الموت البطيء تحت ضغط الاذلال اليومي الإسرائيلي،
أما أن تدخل الولايات المتحدة الأميركية كطرف علني في هذه الحرب الإسرائيلية، وأن توسع دائرة الموت والانتقام لتشمل كل من قال »لا« للاحتلال الإسرائيلي أو للتوسع الإسرائيلي، فهذا تصرف أرعن ومؤذ للأميركيين؛ إذ يدمّر ادعاءات واشنطن عن حمايتها للديموقراطية ورعايتها لحقوق الإنسان وسعيها من أجل محاصرة أو إسقاط الدكتاتوريات، إلى آخر ما ابتدعته فنون الدعايات الأميركية الرائجة عالميù.
إن الادارة الأميركية تؤذي سمعة بلادها ومصالح بلادها ومواطني بلادها من أجل أن ترضي حفنة من المتعصبين والقتلة والعنصريين في إسرائيل.
ومثل هذه الحرب التي تورطت فيها الادارة الأميركية مرشحة لأن تطول، ومؤهلة لأن تستولد وبسرعة أوضاعا جديدة في مشارق الأرض ومغاربها، إذ ستجبر كثيرù من المترددين والمستنكفين على حسم أمرهم وإطلاق لحاهم لكي يقاتلوا هذا الذي يحاول اغتيالهم بينما هم يحملون رايته وينطقون بلغته ويتولون عنه »المهمات القذرة« في كل مكان، بما في ذلك مساقط رؤوسهم!
هي الحرب، إذاً،
ولقد يتأخر رد العرب والمسلمين، ولكنه محكوم بأن يجيء في النهاية من طبيعة غير التي ترضي الأميركيين وتفتح ديار العرب والمسلمين للاجتياح الإسرائيلي المعزَّز بالسلاح الأميركي وبالتمويل الأميركي وبالرعاية السياسية الأميركية بذريعة العمل من أجل السلام!
ولسوف يكتب غدù أن »مشروع السلام« قد سقط مضرجù بدمائه على عتبة البيت الأبيض، وبرصاصة أميركية، حتى لو كان المحرّض إسرائيليù.
ولعلها بداية النهاية للحقبة الأميركية!